(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً): هذا وعد من الله أَن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من الكفار مودة بأَن يهديهم للإِيمان ويوفقهم إِليه فيكونوا لكم أَولياءَ وتوجد المحبة بعد البِغضة، والأُلفة بعد الفرقة، والله تام القدرة على ما يشاءُ من الجمع بين الأَشياءِ المتنافرة فيؤَلف بين القلوب المتعادية القاسية لتصبح مجتمعة متفقة قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١).
فلما يسّر الله فتح مكة أَظْفَرهم بأُمنيتهم فأَسلم قومهم وتمّ بينهم من التَّحابِّ والتصافي ما تم ويدخل في ذلك أَبو سفيان وأَحزابه من مسلمي الفتح.
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أَي: والله واسع المغفرة يغفر الكافرين كفرهم إِذا أَسلموا وتابوا وأَنابوا إِلي ربهم والله كثير الرحمة بعباده المخلصين، روي ابن أَبي حاتم أَن رسول الله ﷺ استعمل أَبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن فلمَّا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَقبل فلقي ذا الخِمار مرتدا فقاتله، فكان أَوَّل من قاتل في الرّدة وجاهد عن الدين، قال ابن شهاب: وهو ممَّن أَنزل الله فيه: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً).
٨ - ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)﴾:
أَي: لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدِّين من الكفار ولم يُخرجوكم من دياركم أَن تُحسنوا إِليهم وتكرموهم وتمنحوهم صِلَتكم وتعدلوا بينهم، إِنَّ الله يُحب أَهل البر، والتَّواصل والحق والعدل. جاءَ في الحديث الصحيح: (المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش: الذين يعدلون في حُكمهم وأَهاليهم وما وَلُوا)، وأَخرج البخاري وغيره عن أَسماءَ بنت أَبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: (أَتتني أُمِّي راغبة - وهي مشركة في عهد قريش، إِذ عاهدوا رسول الله ﷺ فسأَلت رسول الله أأصلها؟ فأَنزل الله - تعالى -: