قال الآلوسي والزمخشري: قصد في (كَبُرَ) التعجب وتعظيم الأَمر في قلوب السامعين؛ لأَن التعجيب لا يكون إِلا من شيءٍ خارج عن نظائره وأَشكاله، واختير لفظ (المقت) لأَنه أَشد البغض وأَبلغه ومنه نكاح المقت لتزوج الرجل امرأَة أَبيه - ولم يقتصر على أَن جعل البغض كبيرا حتى جعله أَشده وأَقبحه وأَفحشه، وكونه (عِند الله) فيه دلالة على أَنه أَبلغ من ذلك لأَنه إِذا ثبت كبر مقته عند الله الذي يحقر دونه كل عظيم، فقد تم كبره وشدته، وتفسير المقت بما سمعت ذهب إِليه كثير من أَهل اللغة.
٤ - ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)﴾:
هذا بيان لِمَا هو مَرْضِيّ عنه عند سبحانه وتعالى بعد بيان ما هو ممقوت لديه جل شأَنه والمشار إِليه بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ.... ) الآية. وظاهره يرجح أَن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال دون غيره.
وهذا هو إِخبار من الله - تعالى - بمحبته عباده المؤْمنين إِذا صُفُّوا مواجهين أَعداءَ الله في حرمة الوغى يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان، روي الإمام أَحمد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ يضحَكُ الله إِليهم: الرجل يقومُ من الليل، والقومُ إِذا صُفُّوا للصلاة، والقوم إِذا صُفُّوا للقتال).
وقوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ) أَي: كأَنهم في تَراصهم والتحام بعضهم ببعض من غير فرجة ولا خلل (بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ) رُصّ وضم بعضه إِلي بعض.
والمرصوص على ما قاله الفراءُ المعقود بالرصاص، ويراد به المحكم، وقال المبرد: رصصت البناءَ لاءَمت بين أَجزائه وقاربته حتى يصير كقطعة واحدة، ومنه الرصيص وهو انضمام الأسنان، وقيل: المراد استواءُ نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة وتوحيد الرأي كالبنيان المرصوص، والأكثرون على الأَول.


الصفحة التالية
Icon