اللَّهُ لَكُمْ) (١)، فلم يمتثلوا أَمره وعصوه أَشد عصيان حيث قالوا: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا) (٢)، وقولهم: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (٣).
وأَصرُّوا على ذلك كل الإِصرار وآذوه - عليه السلام - كل الإِيذاءِ فوبخهم على ذلك بما حكاه الله عنه بقوله (يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) أَي: لم تؤذنني بالمخالفة والعصيان فيما أَمرتكم به ونهيتكم عنه (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) أَي: والحال أَنكم تعلمون علما قطعيًّا بمشاهدة ما ظهر على يديَّ من المعجزات الباهرة التي منها إِهلاك عدوكم وإِنجاؤكم منه، تعلمون أَني رسول الله إِليكم لأُرشدكم إِلى خيري الدُّنيا والآخرة وكان مقتضي علمكم بذلك أَن تبالغوا في تعظيمي، وتسارعوا إِلى طاعتي، لا أَن تؤذوني وتستهينوا بي؛ لأَن من عرف الله وعظمته عظَّم رسوله، ولأَن من آذى رسول الله كان وعيد الله لاحقا به.
(فَلَمَّا زَاغُوا) أَي: فلما أَصروا على الزيغ والانحراف عن الحق الذي جاءَهم به موسى - عليه السلام - واستمروا على ذلك، (أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) أَي: صرفها عن قبول الحق وعن الميل إِلى الصواب لصرف اختيارهم للعمى والضلال (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
تذييل مقرر لمضمون ما قبله - أَي: والله لا يهدي القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المُصرِّين على الغواية.
والمراد بهم إِما المذكورون خاصة، والإِظهار في مقام الإضمار لذمّهم بالفسق وتعليل عدم الهداية، أَو جنس الفاسقين وهم داخلون في حكمهم دخولًا أَوليًّا.
وذهب بعضهم إِلى أَن إِيذاءَهم إِياه - عليه السلام - بما كان من انتقاصه وعيبه في نفسه وما ذكر أَولًا هو الذي تقتضيه جزالة اللفظ الكريم لمناسبته لما قبله.

(١) سورة المائدة من الآية ٢١.
(٢) سورة المائدة من الآية ٢٢.
(٣) سورة المائدة من الآية ٢٤.


الصفحة التالية
Icon