يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)، (١) وكقوله تعالى في سورة ص: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) (٢)، وكقوله في سورة الإِسراء: "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (٣).
والمعنى الإِجمالي للآية: يسبح لله وينزهه عن الشريك وجميع صفات النقص - يسبح له - ما في السموات وما في الأَرض من أَجزائهما وما استقر فيهما، المالك لهما الغالب لكل ما سواه الحكيم المتقن لكل الأُمور، ومن كان شأنه ذلك فلا يصح أَن يعبد سواه.
٢ - ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)﴾:
الأُميُّون هم الذين لا يقرءُون ولا يكتبون، نسبوا إِلى الأُم للإِيذان بأَنهم على فطرتهم التي ولدوا عليها، فقد ولدوا لا يقرءُون ولا يكتبون، ولم يطرأ على تلك الفطرة ما يغيرها، وقد كانت هذه سِمَتَهُم التي عرفوا بها بين الأُمم، وإِن كنت تري فيهم الخطباء والبلغاء والفصحاء بفطرتهم، وهذا المعنى أَخرجه البخاري ومسلم وغيرهما بأَسانيدهم عن النبي ﷺ أُمِّيًّا مثلهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ) (٤).
قال الماوردي: فإِن قيل: ما وجه الامتنان بأَن بعث في الأُميِّين نبيًّا أُمِّيًّا، فالجواب عنه ثلاثة أَوجه:
(أَحدهما) لموافقة ما تقدمت به بشارة الأَنبياء.

(١) من الآية ١٠.
(٢) الآيتان ١٨ - ١٩.
(٣) الآية ٤٤.
(٤) سورة العنكبوت ٤٨، ٤٩.


الصفحة التالية
Icon