والمعنى الإِجمالي للآية: هو الله الذي بعث في الأُمِّيَّين رسولًا منهم أُمِّيًّا مثلهم، يتلو عليهم آياته التي سمعها ووعاها من جبريل أَمين الوحي الإِلهي، ويُعَلِّم هؤلاءِ الأُمِّيَّن هذا الكتاب فيقرؤه عليهم فيحفظونه لصفاءِ فطرتهم وقوة حفظهم، ويكتبه الكتّاب منهم ويعلمهم السنة التي تشتمل على مختلف أَنواع الحكم الشرعية والنقلية والعقلية كأَسرار الكون ودلالتها على المكوّن - سبحانه وتعالى - ويطهرهم من عقائد الجاهلية وأَخلاقها، وعاداتها، وإِنهم كانوا من قبل بعثه فيهم لفي ضلال عن الحق بيِّن واضح.
٣ - ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)﴾:
لفظ (وَآخَرِينَ) على لفظ الأُمِّيِّين أَو على الضمير في (يُعَلِّمُهُمْ، وَيُزَكِّيهِمْ).
والآية صريحة في أَن هؤلاءِ الآخرين من الأُميين، وأَنهم لم يلحقوا بعد بمن قبلهم في الالتقاءِ بالرسول وأَخذ العلم عنه، وسيلحقون بهم بعد نزول هذه الآية كما يفيده لفظ (لَمَّا) فإِنهم تفيد نفي ما دخلت عليه حالا، وتوقع حصوله مستقبلًا، فهي تخالف (لَمْ) في ذلك، إِذ هي تفيد النفي دون توقع حصول المنفي بعدها.
وعملًا بظاهر الآية نقول: إِنها نزلت قبل أَن يسلم جميع الأُميين العرب، فلا تزال حينئذ - بقية منهم في جاهليتهم، ولكنهم سيلحقون بمن قبلهم في الإِيمان بالرسول ﷺ في حياته، هذا ما عنَّ لنا في فهم الآية الكريمة، وهذا لا يمنع عموم رسالته المدلول عليه بما تقدم.
وقد اختلف المفسرون في بيان المراد من هؤلاءِ الآخرين من الأُميين، فقال ابن عمر وسعيد بن جبير: هم العجم، واستشهدوا بما جاءَ في صحيح البخاري ومسلم عن أَبي هريرة قال: (كنا جلوسًا عند النبي ﷺ إِذ نزلت سورة الجمعة، فلما قرأَ (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال رجل: مَنْ هؤلاءِ يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي ﷺ حتى سأَله مرة أَو مرتين أَو ثلاثًا قال: وفينا سلمان الفارسي. قال: فوضع النبي ﷺ يده على سلمان، ثم قال: لو كان الإِيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاءِ).