سبب نزولها كما رواه البخاري بسنده عن زيد بن أَرقم قال: كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبَيّ بن سلول يقول: "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا" وقال: "لئن رجعنا إِلى المدينة ليخرجن الأَعز منها الأَذل" فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول الله ﷺ فأَرسل رسول الله ﷺ إِلى عبد الله بن أُبي وأَصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله ﷺ وكذبني، فأَصابني همٌّ لم يصبني مثله فجلست في بيتي فأَنزل الله - عز وجل - (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) إِلى قوله (هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) إِلى قوله (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) فأَرسل إِليَّ رسول الله ﷺ ثم قال: "إِن الله قد صدقك" أَخرجه الترمذي وقال: هذا حديث صحيح وقد رواه الترمذي عن زيد بن أَرقم برواية أُخرى، ومما جاءَ فيها أَنهم كانوا في إِحدي الغزوات، واختلف الأَنصار مع المنافقين لمنعهم الماءَ عن الأَنصار، فقال ابن أَبي ما قاله وهذه الرواية طويلة ومفصلة، وقد ذكرها القرطبي، فمن شاءَ قراءَتها فليرجع إِلى القرطبي وسواه، وحسب القاريء ما رواه البخاري ووافقه فيه الترمذي، وهو ما تقدم ذكره.
ويؤَخذ من ذلك أَن النفاق في الدين أَو في غيره مذموم، وقد جاءَ في الصحيحين عن أَبي هريرة أَن النبي ﷺ قال: "آيةُ المنافق ثلاث: إِذا حَدَّث كذَب، وإِذا وعَدَ أَخلَف، وإِذا ائتُمِن خَان" وعن عبد الله بن عمْرو أَن النبي ﷺ قال: "أَربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلَةٌ منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعَهَا إذا ائتمن خان، وإِذا حدثَ كذب، وإِذا عاهدَ غدر، وإِذا خاصَم فَجرَ".
قال الحسن: إِنما هذا القول عن النبي ﷺ على سبيل الإِنذار للمسلمين، والتحذير لهم أَن يعتادوا هذه الخصال، شفقا أَن تفضي بهم إِلى النفاق، وليس المعنى أَن مَنْ بدرت منه هذه الخصال من غير اختيار واعتياد أَنه منافق.
ونحن نقول: إِن المقصود مما جاءَ في هذين الحديثين، أَن لا يتصفوا بهذه الصفات أَو بعضها، فإِنها شيمة المنافقين وسجاياهم، وهي لا تليق بالمؤمنين ولا بأَخلاقهم الرفيعة، فمن اتصف بهذه الخصال أَو ببعضها فهو منافق من جهة الخلق لا من جهة العقيدة ولهذا قال ﷺ "الْمُؤْمِنُ إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ وَإِذَا وَعَدَ أَنْجَزَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ وَفَّى".