التفسير:
٧ - ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا... ﴾ الآية:
أَي: هؤُلاءِ الذين أَخبرك الله عنهم - يا محمد - أَنه لن يغفر لهم، ولن يصفح عنهم هم أُولئك الآثمون في قولهم المدعون أَن الأرزاق بأَيديهم، وأَن المنة لهم على فقراءِ المسلمين بالإِنفاق عليهم وأَنهم لو كفوا أَيديهم عن إِعطائهم جاعوا وتفرقوا عن رسول الله ﷺ وهم في زعمهم هذا واهمون، فما هذا هو شأن المسلمين؛ إِنهم بايعوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - على بذل النفس والنفيس بأَن لهم الجنة فكيف بهم يتفرقون عنه لعرض من أَعراض الدنيا؟ فضلًا على أَنه - سبحانه - رازقهم وقائم بأَسبابهم جميعا، فإِن خزائن السموات والأَرض ومفاتيح الرزق والمطر والنبات لله وحده لا شريك له فيها يعطيها من يشاءُ ويمنعها عمن يشاء لا مكره له ولا معقب لحكمه (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) أَي: ولكن هؤلاء لا يفهمون ولا يفطنون لذلك فيهذون بما يزين لهم الشيطان وما تطوع لهم أَنفسهم من مختلف القول وسقط الكلام.
٨ - ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)﴾:
أَي: يقول عبد الله بن أُبي رأس النفاق ومن معه عند العودة من غزوة بني المصطلق: والله لئن عدنا إِلى المدينة - لا يكون فيها مقام ولا مأوى لأُولئك المهاجرين الذين ضممناهم وآويناهم وأَطعمناهم فتطاولوا علينا ونالوا منا وهم في غربة وفقر وليس لهم ما يمنعهم منا فلنخرجنهم من ديارنا فنحن الأَعز وهم الأذل.
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) أَي: ولله الغلبة والقوة ولمن أَعزه الله وأَيده من رسوله ومن المؤمنين، وعزهم كان بنصرته - تعالى - إِيَّاهم وإِظهار دينهم على سائر الأَديان.
(وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ولو علموا ذلك ما قالوا مقالتهم هذه. قال صاحب الكشاف في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وهم الأَخصاءُ بذلك كما أَن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين، وعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أَن رجلًا قال له: إن الناس يزعمون أَن فيك تيها (كبرا) فقال: ليس بتيه ولكنه عزة، فإِن هذا العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه وتلا هذه الآية. قال بعض العارفين