وجلاله تنزيهًا مستمرًّا يتجدد كلما نظروا في بديع صنعه وعظيم فعله، وله لا لغيره - جلت قدرته - الملك قديمًا بلا ابتداء وأَبدًا بلا انتهاء فهو - سبحانه - المبدئ لكل شيء القائم به المهيمن عليه، أَما ملك غير فهو حادث وطاريء ومنتقل لا يدوم وهو في الحقيقة عطاءُ الله وفضله وتسليط منه واستخلاف.
وهو - تعالت عظمته - وحده المستحق للحمد؛ لأَنه هو المعطي لأُصول النعم وفروعها، أَما حمد غيره - تبارك ربنا وتعالى - فلجريان إِنعامه على يديه، وهو - سبحانه - قدير مقتدر على كل شيء دق أَو عظم فليس بعض الأمور أَيسر عليه من غيره؛ فالكل في قبضته ووفق إِرادته لا يعجزه أَمر عن أَمر ولا يشغله شأن عن شأن.
والتسبيح والتقديس يكون بهيآت المخلوقات وأَشكالها البديعة التي تدل على كمال تصويره وعظيم خلقه - سبحانه - أَو بلسانهم ونطقهم: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١).
٢ - ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢)﴾:
هذا بيان لبعض آثار قدرته الشاملة الغامرة، أَي: هو الذي أَوجدكم كما شاءَ على فطرة سليمة وطريقة سوية مستقيمة يشير إِلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأَبواه يهودانه أَو ينصرانه أَو يمجسانه).
(فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) أَي: فبعضكم مختار للكفر بالله وبنعمة ومقبل على الإِلحاد راض به وذلك يكون منه انتقاضا وخروجا وتمردا على الفطرة التي فطره الله عليها، وبعضكم مختار للإِيمان به - سبحانه - ينشرح به صدره ويطمئن قلبه وهذا من المؤمن استجابة لفطرة الله وخلقته وإِذعانا لمشيئته.
وفي الحق إِن كلًّا من كفر الكافر وإِيمان المؤمن بإِرادته - جل شأنه - فلا مكره له إِذ هو الخالق والموجد لكل شيءٍ، وقال تعالى: (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ