أَي: ادّعى هؤلاءِ الكفار دون دليل، وقالوا من غير حجة ولا برهان أَنهم لن يبعثوا من قبورهم ولن تكون لهم حياة أُخري بعد موتهم، وقد حكى القرآن الكريم قولهم فقال تعالى: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (١) فقولهم باطل وإِدعاؤُهم كذب وافتراء وقد جاءَ في الأَثر (زعموا مطية الكذب) وقال شريح: لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا و (بَلَى) حرف جواب إِثبات لما بعد (لَنْ) أَي: ليس الأَمر كما زعمتم وأَقسم بربي لتخرجن قبوركم أَحياءَ ولتنشرن، ثم بعد البعث والنشور ينبئكم الله ويخبركم بما كنتم تعلمون وذلك الإِخبار إِما عن طريق الملائكة من الله أَو بما ترونه مسطورًا في كتبكم التي تأخذونها بشمائلكم ومن وراءِ ظهوركم، وتقولون عند ذلك: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) (٢) ولتحاسبن وتجزون بأَعمالكم (وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) أَي: وأَمر كذلك الذي يحدث يوم القيامةِ من البعث والجزاء هين على الله؛ لتحقيق قدرته - سبحانه - على ذلك؛ فلا يصرفه عنه صارف ولا يحول دونه حائل.
٨ - ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨)﴾:
بعد أَن تبين لكم واستقر في نفوسكم ووعته قلوبكم - وإِن كنتم تجحدونه عنادًا واستكبارا - أَن ما أَتى به الرسول ﷺ وما يخبر به صدق وحق لا مرية فيه. فأَولى بكم وأَجدر أَن تسارعوا وتبادروا بالإِيمان بالله - ربًّا وبمحمد - عليه الصلاة والسلام - رسولًا، وبالقرآن الذي أَنزلناه كتابًا هاديًا ومرشدًا وسراجًا منيرًا وفي تسمية القرآن نورًا ما يوميء ويوحي بأَن الكافر به قد عمي قلبه، وختم الله على سمعه وبصره وصار كالأَنعام بل هو أَضل، وسمي بذلك أَيضا؛ لأَنه بإِعجاز بين بنفسه مبين لغيره كما أَن النور كذلك (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أَي وهو - جلت قدرته - بالذي تعلمونه من بواطن أَموركم مهما بالغتم في إِخفائه وأَعملتم الحيل في ستره هو - سبحانه - علم به علمًا كاملا تامًّا لا تخفى عليه خافية، وقيل: خبير بمعنى مخبر أَي: يخبركم وينبئكم بما حدث منكم في الدنيا ويحاسبكم عليه وعلى هذا يكون كالتأكيد لقوله تعالى في الآية السابقة: (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ).

(١) سورة الأنعام: الآية ٢٩.
(٢) سورة الكهف: من الآية ٤٩.


الصفحة التالية
Icon