(إِلا أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ): استثناء من لا تخرجوهن أَي: إِلَّا أَن يأتين بأَمر ظاهر القبح وهو ما يوجب حدًّا كالزنى والسرقة نحوهما فيُخرجن لإِقامة الحد، وكذلك إِذا طالت أَلسنتهن وتكلمن بالكلام الفاحش القبيح على أَزواجهن أَو أَحمائهن، وأَيد بما ورد عن أَبي إِلاَّ أن يفحش عليكم بفتح الياء وضم الحاء كما أَخرجه جماعة من طرق عن ابن عباس وعن ابن عمر والسُّدي: الفاحشة خروجها من بيتها في العدة.
ويرى الآلوسي أَن المعنى: لا يطلق لهن في الخروج إِلاَّ في الخروج الذي هو فاحشة ومن المعلوم أَنه لا يطلق لهن فيه فيكون ذلك منعا للخروج على أبلغ وجه وامتدح هذا الوجه الإمام ابن الهمام وقال إنه ونظائره بديع جدًّا نحو لا تزن إِلاَّ أَن تكون فاسقا.
(وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ): إِشارة إِلى ما ذكر من الأَحكام التي عينها لعباده، وأُشير إِليها بإِشارة البعيد مع قرب العهد بها للإِيذان بعلو درجتها، وبعد منزلتها (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ) بالاستهانة بها، والإِخلال بشيءٍ منها (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) عرضها للضرر الشديد. وهذا تقبيح لمن تعدي حدود الله (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا... ) خطاب للتعدِّي بطريق الالتفات للزجر عن التعدي كأَنه قبل: ومن يتعد حدود الله فقد أَضر بنفسه فإنك لا تدري أَيها المتعدي عاقبة الأَمر لعلَّ الله يُحدث في قلبك بعد الذي فعلت من التعدي أَمرًا يقتضي خلاف ما فعلت فيكون بدل بغضها محبة، وبدل الانصراف عنها إِقبالٌ عليها وبدل عزيمة الطلاق نَدَمٌ عليه ولا يتسنى تلافية برجعة أَو استئناف نكاح كأَنه قيل: التزموا حدود الله فطلقوهن لعدتهن، وأَحصوا العدة ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن لعلكم تندمون، فتراجعون وإِبقاء المطلقة في منزل الزوج يساعد على ذلك ويجعل المراجعة أَيسر وأَسهل.