استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأَ عمَّا قبله من الحث على التقوى كأَنه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات، فأُجيب عن ذلك بقوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ.... ) الآية.
أَي: أَسكنوا المعتدات مكانًا من مسكنكم الذي تسكنونه حسبما تطيقونه مع وسع وقدرة، وقد روي عن قتادة ما يؤيد ذلك حيث قال: ولتسْكُن إِذا لم يكن إِلا بيت واحد في بعض نواحيه، وهي واجبة باتفاق مع النفقة لكل مطلقة رجعية حاملًا كانت أَو حائلًا، أَما المبتوتة وهي التي طلقت ثلاثًا، وليست ذات حمل، فقد اختلف في شأنها العلماء، فعند ابن المسيب ومالك والأَوزاعي والشافعي وغيرهم ليس لها إِلا السكنى ولا نفقة لها، وعن الحسن، وحماد وأَحمد وغيرهم لا نفقة لها ولا سكنى لحديث فاطمة بنت قيس قالت: إِن زوجها أَبتّ طلاقها فخاصمته إِلى رسول الله ﷺ فقال لها: لا سكنى لك ولا نفقة، وأَمرها أَن تعتدّ في بيت ابن أَم مكتوم، ثم أَنكحها أُسامة بن زيد.
وعن عمر - رضي الله عنه - أَنه طعن في هذا الحديث، فقال: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأَة لعلها نسيت أَو شبه لها، سمعت رسول الله ﷺ يقول لها: السكنى والنفقة، وقد طعن في حديث فاطمة أَيضًا عائشة وسليمان بن يسار وأُبو سلمة وغيرهم.
وقال أَبو حنيفة والثوري: لها السكني والنفقة، بدليل قول عمر - رضي الله عنه - وقال ابن نافع: قال مالك في قوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ) يعني المطلقات اللَّاتي بنَّ أَزواجهن ولا رجعة لهم عليهن، ولسن ذوات حمل، فلكل منهن السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة؛ لأَنها بائن منه، لا يتوارثان ولا رجعة له عليها.
فأَما من لم تَبن منهن، فإِنهن نساؤهم يتوارثون، ولا يخرجن إِلا أن يأذن لهن أَزواجهن ما كن في عدتهن، ولم يؤمروا بالسكنى لهن؛ لأَن ذلك لازم على أَزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن حوامل كن أَو غير حامل.
(وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ): أَي: تجنبوا الإِضرار بالمعتدات، فلا تستعملوا معهن ما يؤديهن لإِلجائهن إِلى الخروج كأَن تنزلوا معهن من لا يوافقهن في الجوار، أو تشغلوا المكان بغيرهن أَو نحو ذلك.