كأَنه قيل: أَعد الله لهم هذا العذاب المترقب فليكن ذلك يا أُولي الأَلباب داعيًا لكم لتقوى الله - تعالى - وحذر عقابه، وجملة (أَعَدَّ اللَّهُ) إِلخ استئناف يشير إِلى أَن عذابهم ليس منحصرًا فيما ذكر من الحساب الشديد والعذاب النكر بل لهم بعدهما عذاب شديد آخر مُعدّ لمزيد عقابهم، وقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا) بيان لأُولي الأَلباب (قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا).
وقيل: هو جبريل - عليه السلام - سمي ذكرًا لكثرة ذكره أَو لنزوله بالذكر الذي هو القرآن:
كما ينبيءُ عنه إِنزال قوله تعالى (رَسُولًا) منه.
وقيل: هو النبي ﷺ وعليه الأَكثر، وإِطلاق الذكر عليه لمواظبته - عليه الصلاة والسلام - على تلاوة القرآن الذي هو ذكر، وتبليغه والتذكير به - وعبر عن إِرساله بالإِنزال؛ لأَن الإِرسال سبب عن إِنزال بالوحي عليه ﷺ على سبيل المجاز.
١١ - ﴿رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (١١)﴾:
(رَسُولًا): بدل جاءَ للبيان من قوله: (ذِكْرًا) قال ابن جرير: الصواب أَن الرسول ترجمة عن المذكر وتبيين له وقال أَبو حبان: الظاهر أَن الذكر هو القرآن، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي توجيه هذا الرأي أَقوال: أَشهرها أن رسولا منصوب بفعل محذوف تقديره أَرسل دل عليه أَنزل أَي: أَنزل لكم ذكرا، وأَرسل إِليكم رسولا ونحا إِلى هذا السّدي، واختاره ابن عطية.
(يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ) نعت لقوله: "رَسُولًا" أَي: أَنه ﷺ يقرأُ عليكم أَو حال من اسم الله في قوله تعالى: (قَدْ أَنزَلَ اللهُ... ).


الصفحة التالية
Icon