الحديث، مطلعًا عليه بواسطة جبريل - عليه السلام - أَو جعل الله الحديث ظاهرا على النبي ﷺ يتبينه ويدرك كنهه.
ولما أَظهر الله نبيه على الحديث أَعلم ﷺ حفصة بنصه الذي أَفشته وهو قوله لها: "كنت شربت عسلا عند زينب بنت جحش فلن أَعود "وأَعرض عن بعضه فلم يخبرها به وهو قوله: "وَقَدْ حلفت" تكرمًا من مزيد خجلها، وهذا منه ﷺ اهتمام بمرضاة أَزواجه وهو لا يحب شيوع ذلك عنهن رعاية لحقهن وأَخرج ابن مردويه عن ابن عباس، وابن أَبي حاتم عن مجاهد أَن النبي ﷺ أَسر إِلى حفصة تحريم مارية، وأَن أَبا بكر وعمر يليان أَمر الناس بعده فأَسرت ذلك إِلى عائشة فعرف ﷺ بعضه، وهو أَمر الإِمامة. روي عن علي - كرم الله وجهه - وابن عباس قالا: إِن إِمامة أَبي بكر وعمر لفي كتاب الله: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا).
وقيل: عرف أمر مارية، وأَعرض عن أَمر الإِمامة مخافة أَن يفشو. روى أَنه ﷺ قال لحفصة: أَلم أَقل لك اكتمي عليّ قالت: والذي بعثك ما ملكت نفسي فرحًا بالكرامة التي خص بها أَبي.
وحين نبأَها بما أَفشته لتعرف هل التي كشفت الحديث عائشة أَو لا (مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا) قال صلى الله عليه وسلم: (نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) الذي لا تخفى عليه خافية لإِحاطته بخطرات النفوس ومكنونات الضمائر، فإِنه لذلك أَوفق للإِعلام (١).
قال الآلوسي: وقصارى ما يمكن أَن يقال: يحتمل أَن يكون النبي ﷺ شرب عسلًا عند زينب كما هي عادته وجاءَ إِلى حفصة فقالت له ما قالت فحرم العسل، واتفق - له عليه الصلاة والسلام - قبيل ذلك أَو بعيده أَن وطيءَ جاريته مارية في بيت حفصة وفي يومها وعلى فراشها، فوجدت فحرم ﷺ مارية وقال لحفصه ما قال تطييبا لخاطرها واستكتمها ذلك فكان منها ما كان، ونزلت الآية بعد القصتين فاقتصر بعض الرواة على إِحداهما وبعضهم