وقبول توبة غير الكافر مسأَلة خلافية بين المعتزلة القائلين: بأَنه يجب على الله قبولها عقلًا، وبين إِمام الحرمين والقاضي أَبي بكر حيث يقولان: بأَنه يجب اعتقاد قبولها سمعا ووعدا لكن بدليل ظني إِذ لم يثبت في ذلك نص قاطع في غفران ذنوب المسلم بالتوبة لا يقبل التأويل والدليل الظني كقوله تعالى ﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ (١)، وأَما حديث التوبة تجبُّ ما قبلها فليس بمتواتر، وقيل غير ذلك، والتفصيل تكفل به علم الكلام.
وأَما توبة الكافر فالإِجماع على قبولها قطعا بالسمع لوجود النص كقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (٢) ولأَنه إِذا قطع بقبول توبة الكافر كان ذلك فتحا لباب الإِيمان، وسوقًا إِليه، وإِذا لم يقطع بتوبة المؤمن كان ذلك سدًّا لباب العصيان ومنعا منه.
وبالتوبة النصوح يدخلكم الله - جل شأنه - جنات تجري من تحت قصورها وبين أَشجارها أَنهار تجد فيها النفس ما تهواه وما تشتهيه وذلك (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ).
والمراد بنفي الإِخزاء إِثبات الكرامة والعز، وفيه تعريض بمن أَخزاهم الله من أَهل الكفر والفسوق، وحث للمؤمنين على مضاعفة الحمد والثناءِ على الله حيث عصمهم من مثل حال الكفار، ويقصد بالإِيمان نوره الكامل على ما ذكره الخفاجي (نُورُهُم سْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم) جملة مستأنفة لبيان حال المؤمنين عند مرورهم على الصراط. قال الضحاك: ما من أَحد إِلاَّ يُعطى نورا يوم القيامة، فإِذا انتهوا إِلى الصراط طفيء نور المنافقين، فلما رأَى ذلك المؤمنون أَشفقوا أَن يطفأ نورهم كما طفيءَ نور المنافقين فقالوا: (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا)، وكون هذا القول يقوله المؤمنون إِذا طفيءَ نور المنافقين نقل أَيضا عن مجاهد وابن عباس وغيرهما، وعن الحسن أَنهم يقولون ذلك تقربا إِلى الله مع تمام نورهم، وقيل: تتفاوت أَنوارهم بحسب أَعمالهم فيسأَلون إِتمامها تفضلًا، وقيل: السابقون إِلى الجنة
(٢) سورة الأنفال: من الآية ٣٨.