التفسير:
٥ - ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥)﴾:
دلت الآية السابقة على أَن هذه المصابيح زينة للسماءِ الدنيا وليست هي السماء الدنيا كلها تقدم بيانه.
وكلها تدور بقدرة الله في الفضاءِ على وجه مخصوص تقتضيه الحكمة، ومجاريها فيه هي أفلاكها، وقد ارتبط بعضها ببعض برباط الجاذبية، ولكل منها حركات حول نفسها وحركات غير ذلك، وهي متفاوتة قربًا وبعدًا تفاوتًا لا حد له، وإن منها ما لا يصل شعاعة إِلينا إِلا بعد عدة سنين، في حين أَن شعاع شمسنا يصل إلينا في ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية، مع أَن بيننا وبينها أَربعة وثلاثين مليونًا من الفراسخ (١) فما أَعظم قدرة الله وحكمته في إِبداع هذا الكون العظيم.
وجاءَ في الآية أَن الله تعالى جعل هذه المصابيح رجومًا للشياطين، والرجوم جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به - كما تقدم في بيان المفردات - والمقصود أَنها مصدر رجم الشياطين، للحيلولة بينهم وبين استراق السمع من الملائكة الذين حول الأَرض، وهم يتحدثون في بعض أَمور الغيب التي وكلت إِليهم، ولكن هذه المصابيح لا تترك مدارها، فهي باقية فيه حتى تنفطر السماءُ وتنتشر الكواكب، وتبدل الأَرض غير الأَرض، والسماوات غير السموات، وفي كون الرجم بأَجزاء صغيرة جدًّا من تلك الكواكب وتسمي شهبًا يقول الله - تعالى - في سورة الصافات: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) (٢) وفي سورة الجن: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا

(١) هذه المعلومات عزاها الآلوسي لعلماء الهيئة وقد نقلناها عنه. بتصرف يسير.
(٢) الآيات من ٦ - ١٠.


الصفحة التالية
Icon