التنزيه، أَسند البيهقي بسند صحيح عن أَحمد بن أَبي الحواري عن سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه.
وهذه طريقة الشافعي وأَحمد بن حنبل، ويقول الآلوسي: إِن هذا هو رأَي العصر الثالث، وهم فقهاءُ الأَمصار، كالثوري والأَوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم.... الخ.
(المذهب الثاني) مذهب الخلف، وهم يؤولون فيقولون: من في السماء أَمره وقضاؤه فالسماء مصدر أَوامره إِلى ملائكته، ومنها يصدر قضاؤه، فكأَنه قيل: أَأَمنتم من ملكوته ومصدر أَحكامه في السماءِ، والذي دفعهم إِلى التأَويل هو تنزيهه سبحانه عن المكان.
ومعني الآية إِجمالًا: هل أَمنتم يا كفار مكة مَنْ عزه ومصدر قضائه في السماءِ أَن يخسف بمن الأَرض ويهبطها وأَنتم فوقها لتهلكوا في جوفها، فإِذا هي حين الخسف ترتج وتهتز اهتزازًا شديدًا.
١٧ - ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧)﴾:
بل أَأَمنتم مَنْ ملكوته في السماءِ أَن يرسل عليكم ريحًا تحصبكم بالحجارة كقوم لوط، فستعلمون ما حال إِنذاري وقدرتي على إِيقاع العذاب بكم عند مشاهدتكم للمنذر به، ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ، وقد نجاهم الله من هذا والذي قبله بإِيمانهم جميعًا في السنة الثامنة من الهجرة.
١٨ - ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (١٨)﴾ (١):
ولقد كذب الذين من قبل كفار مكة مثل قوم نوح وعاد، فكيف كان إِنكاري عليهم بإِنزال العذاب بهم؟! أَي: كان في غاية الهول والفظاعة، وفي الكلام من المبالغة في تسلية رسول الله ﷺ وتشديد التهديد لقومه ما لا يخفى.

(١) الاستفهام في (كيف) للتهويل.


الصفحة التالية
Icon