وعن ابن عباس في تفسير قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) أَي: وإِنك لعلى دين عظيم هو الإِسلام، وليس أَحبّ إِلى الله تعالى ولا أَرضى عنده منه، وقال عطية: لَعَلَى أَدب عظيم.
وفي صحيح مسلم سُئلت عائشة - رضي الله عنها - عن خُلُق رسول الله؟ قالت: كان خلقه القرآن ومعنى هذا أَنه تأدب بآدابه وتحلَّى بأَخلاقه وأَحلّ حلاله وحرَّم حرامه، هذا مع ما طبعه الله عليه من الخلق العظيم من الحياءِ والكرم والشجاعة والصفح والحكمة وكل خلق جميل كما ثبت في الصحيحين عن أَنس قال: "خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال إِلي أُفٍّ قط، ولا قال لشيءٍ فعلته لم فعلته؟ ولا قال لشيءٍ لم أفعله ألا أَفعلته، وكان رسول الله ﷺ أَحسن الناس خلقًا"، والأَحاديث في هذا الباب كثيرة، ولأَبي عيسى الترمذي في هذا كتاب الشمائل.
٥ - ٦ - ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦)﴾:
أَي فستعلم يا محمد علمًا يقينيا وسيعلم مخالقوك أَيكم المفتون أَي المجنون لأَنه فُتِن، أَي مُحِنَ بالجنون، وقيل المعنى: فستبصر ويبصرون بأَي الفريقين منكم الفتنة أَي المجنون أَبفريق المؤمنين أَم بفريق الكافرين وفي أَيِّهما يُوجد منْ يستحق هذا الاسم، وهو تعريض بأَبي جهل والوليد بن المغيرة وأَحزابهما وهو كقوله تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنْ الْكَذَّابُ الأَشِرُ﴾. (١)
والمراد فستعلم ويعلمون ذلك يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل، وروى ذلك عن ابن عباس، وقيل: فستبصر ويبصرون في الدنيا بظهور عاقبة الأَمر بغلبة الإِسلام وانتصارك عليهم وعلو شأنك وصيرورتهم أَذلة صاغرين.
٧ - ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)﴾:
استئناف لبيان ما قبله وتأكيد لما تضمَّنه من الوعد والوعيد، فهو سبحانه أَعلم بمن

(١) سورة القمر الآية: ٢٦.


الصفحة التالية
Icon