٤٤، ٤٣ - ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)﴾:
أَي: إِن يومهم الذي وقع لهم فيه الوعد بما يلاقونه من أَهوال وشدائد لخوضهم ولعبهم، هو يوم قيامهم من القبور إِذا دعاهم الرب - جل وعلا - إِلى موقف الحساب، فإِنهم ينهضون مسرعين يسبق بعضهم بعضًا كما كانوا في الدنيا يهرولون إِلى النصب الَّذي تصبوه للعباده من دون الله، وقد كانوا إذا ما أَبصروه (يُوفِضُونَ) أَي: يسرعون إِليه أَيهم يستلمه أَول وهذا مرْويٌّ عن مجاهد، ويحيى بن كثير وقتادة والضحاك والربيع بن أَنس وابن أَبي زيد وغيرهم وكان الإِسراع إِلى المعبودات الباطلة وسائر الطواغيت من عادة المشركين، وفي تشبيههم عند خروجهم من قبورهم للحساب بما ذكر تهكم بهم، وتعريض بسخافة عقولهم (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ).
أَي: خاضعة منكسرة لمهانتهم، ووصفت الأَبصار بالخشوع مع أَنه وصف الكل؛ لظهور آثاره فيها (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أَي: تغشاهم، وتعم ذواتهم ذلة شديدة وهوان في مقابل ما استكبروا عنه في الدنيا من الطاعة وتظاهروا به من المعصية، وتمادوا فيه من العناد بإِنكار البعث والمعاد.
(ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ): أَي: ذلك الذي ذكر ما سيقع فيه من الأَحوال الهائلة والشدائد المذهلة هو اليوم الذي كان يقع لهم الوعيد به في الدنيا (١) فكانوا يقابلون هذا الوعيد بالاستهزاء والسخرية والتكذيب، واليوم يرون عذابهم واقعًا، وجزاءَهُمْ محققًا، وكل ما هددوا به ماثلا، وقد عز عليهم النصير، وامتنع المعين.

(١) بقوله تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ).


الصفحة التالية
Icon