٤، ٣، ٢ - ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤)﴾
قول نوح - عليه السلام - استئناف مبني على سؤال نشأَ عن حكاية إِرساله - عليه السلام - بالوجه المذكور وهو الإِنذار، فكأَنه قيل: ماذا فعل عليه السلام؟ فقيل: قال لهم (يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) بين النذارة ظاهر الأَمر واضحه، لم أَدخر وسعًا في سبيل نصحكم، وهدايتكم إِلى طريق الرشاد؛ من أَجل نفعكم من غير أَن أَسألكم على ذلك أَجرًا وقوله: (أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) متعلق بنذير في قوله سبحانه: (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) على مصدرية (أَن) أَو تفسيريتها، فعلى المصدرية يكون المعنى: إِنِّي نذير لكم بعباده الله وتقواه وإِطاعتي إِلى ما أدعوكم إِليه من الصلاح والفلاح، وعلى تفسيريتها يكون المعنى: إِن نذارتي هي: أَن اعبدوا الله واتقوه وأَطيعون، أَي: قولي، أَي: اعبدوا الله وحده واجتنبوا مآثمه، وأَطيعوني فيما دعوتكم إِليه، وأَمرتكم به وما نهيتكم عنه من عبادة الأَوثان والأَصنام.
(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أَي: يمح الله عنكم بعض ذنوبكم وهي التي حصلت قبل الإِيمان لأَن الإِيمان يجُبُّ ما قبله كما يرى بعض العلماءِ، كما في قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (١) وقيل: إِن المراد بالبعض المغفور قبل الإِيمان، هو ما يتعلق بحقوق الله فقط دون ما يتعلق بحقوق العباد كالقصاص ونحوه، أَو هي الذنوب العظام التي وعدكم الله عليها الانتقام - كما قال ابن كثير - وقيل المعنى: يصفح الله لكم عن ذنوبكم، واختاره ابن جرير على أَنَّ (مِنْ) بمعنى (عَنْ) وقد تابت عنها، أَو (من) بيانية بمعنى: يغفر لكم أَفعالكم التي هي الذنوب، كقوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ) (٢) فهي لبيان مبهم وهو أَفعالهم.
وللتوفيق بين هذه الآية (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) وقوله تعالى: (إِنَّ الله يِغَفْرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ونحوها لا يبعد أَن الله يغفر الذنوب جميعها لقوم، وبعضها لآخرين، وقيل: جيءَ بمن مع الكفرة مطلقًا في خطابهم دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين.
(٢) الحج، من الآية: ٣٠.