٥ - ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥)﴾:
أَي: وأَننا حسبنا وظننا أَن أَحدًا من الإِنس والجن لن يجتريء على الله ويفتري عليه وينسب إِليه الصاحبة والولد كذبًا، فلما سمعنا القرآن كانوا يظنون أَن إِبليس أَو المتمرد من الإِنس والجن صادق في نسبه الصاحبة والولد لله، فلما سمعوا القرآن أَيقنوا أَنَّه كان كاذبًا في ذلك فسموه سفيهًا
وهنا يجمل بنا أَن نتعرض لاجتماع الرسول ﷺ بالجن ورؤيته لهم لوثوق الصلة بينه وبين ما جاءَ في هذه السورة فنقول:
اختلفت الروايات في أَنه ﷺ رأَى الجن وكلمهم على قولين:
فقالوا الأَول: وهو مذهب ابن عباس، أنه - عليه الصلاة والسلام - ما رآهم: قال: إِن الجن كانوا يقصدون السماء في الفترة بين عيسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - فيسمعون أَخبار السماءِ ويلقونها إِلى الكهنة، فما بعث رسول الله ﷺ حرست السماءُ وحيل بين الشياطين وبين خبر السماءِ وأُرسلت الشهب عليهم فرجعوا إِلى إِبليس - عليه اللعنة - فأَخبروه بالقصة، فقال: لا بد لهذا من سبب، فاضربوا مشارق الأَرض ومغاربها واطلبوا السبب، فوصل جمع من أُولئك الطالبين إِلى تهامة فرأَوا رسول الله ﷺ في سوق عكاظ وهو يصلي بأَصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا والله هو الذي حال بينكم وبين حال السماءِ، فهناك رجعوا إِلى قومهم وقالوا: يا قومنا (إِنَّا سمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) فأَخبر الله نبيه محمد ﷺ عن ذلك الغيب وقال: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ) كذا وكذا، قال: وفي هذا دليل على أَنه ﷺ لم ير الجن، إِذ لو رآهم لمَا أُسند معرفة هذه الواقعة إِلى الوحي، فإِن ما عرف وجوده بالمشاهدة لا يسند إِثباته إِلى الوحي.
والقول الثاني: وهو مذهب ابن مسعود: أَن الرسول ﷺ أَتاه داعي الجن فذهب معه وقرأَ عليهم القرآن، وأَن ابن مسعود سار مع رسول الله ﷺ حين انطلق به وبغيره بربه آثار الجن وآثار نيرانهم.