وهي القدمان والركبتان والكفان والوجه، وروي أَن المعتصم سأَل أَبا جعفر محمد بن علي ابن موسى الكاظم - رضي الله عنهم - عن ذلك فأَجاب بما ذكر، وقيل: المراد المساجد السجدات، على أَن المسجَد - بفتح الجيم - مصدر ميمي، قال الحسن؛ من السنة إِذا دخل الرجل المسجد أَن يقول: لا إِله إِلاَّ الله: لأَن قوله: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) في ضمنه أَمر بذكر الله ودعائه.
وقيل المعنى: أَفردوا المساجد لذكر الله ولا تتخذوها هزوًا ومتجرًا ومجلسًا ولا طرقًا، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبًا، وفي الصحيح: "من نشد ضالة في المسجد فقولوا: لا ردَّها الله عليك؛ فإِن المساجد لم تبن لذلك".
هذا، وقد روى الضحاك عن ابن عباس عن النبي ﷺ كان، إِذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) اللهم أَنا عبدك وزائرك، وعلى كل مَزُور حق، وأَنت خير مَزوُر، فأَسأَلك برحمتك أَن تفك رقبتي من النار" وإِذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى وقال: "اللهم اصْبُبْ عليَّ الخير صبًّا، ولا تنزع عني صالح ما أَعطيتني أَبدًا، ولا تجعل معيشتي كدًّا، واجعل لي في الأَرض جَدًّا) أَي: عِنًى وقال ابن عباس: المساجد هنا مكة التي هي القبلة، وسميت مكة المساجد لأَن كل أَحد يسجد إِليها، أَي: يتخذها قبلة له.
١٩ - ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)﴾:
أَي: وأَن الله أَوحى إِلى رسوله أَنه حين قام ﷺ عابدًا ربَّه - عزَّ وجَلَّ - في صلاة الفجر في بطن نخلة، أَو في سوق عكاظ يؤم أَصحابه كاد الجن يلتصقون يركب بعضهم بعضًا تزاحمًا وتراكمًا عليه؛ متعجبين مما رأَوه من عبادته واقتداء الصحابة به قائمًا وراكعا وساجدًا، وإِعجابًا بما تلاه من القرآن العظيم، لأَنهم رأَوا ما لم يروا مثله وسمعوا ما لم يسمعوا مثله، وقيل المراد: أَن الرسول لما قام يعبد الله تلبدت وتجمعت الإِنس والجن، أَو المشركون، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاءَ به ويطفئوا نور الله، فأَبى الله إِلَّا أَن يتم نوره وينصره ويظهره على من عاداه.