كالكافر، والكافر في النار، والله لئن بلغني أَنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأَخلدنك في الحبس ما بقيتَ وبقيتُ، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان، ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها، ولقي القوم فقتلهم وهي وقعة (النهروان) الثابتة في الصحيح لمسلم، ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أَمرنا بها وظفرنا وظهرنا لقال قائل: سار في الساعة التي أَمر بها المنجم، ما كان لمحمد ﷺ منجم ولا لنا بعده، فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البدان ثم قال: يا أَيها الناس: توكلوا على الله وثقوا به؛ فإِنه يكفي عمن سواه (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)، أَي: فإِذا أَراد الله إِظهار شيءٍ من غيبه على رسوله فإِنه يحيط الرسول إِحاطة تامة من جميع جوانبه بحرس وحفظة من الملائكة يحفظونه من تعرض الجن لما يريد إِطلاعه عليه؛ لئلا يسترقوه ويهمسوا به إِلى الكهنة قبل أَن يبلغه الرسول، وذلك ليصل الوحي إِلى الناس خالصًا من تخليط الجن وعبثهم.
٢٨ - ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (٢٨)﴾:
أي: أَخبرنا وأَنبأنا محمدًا ﷺ أَن الرسل قبله كانوا على مثل حاله من التبليغ بالحق والصدق، وأَنه حفظ كما حفظوا من الجن، أَو ليعلم النَّاس أَن الرسول والرسل قبله - عليهم السلام - قد أَبلغوا رسالات ربهم كاملة لا زيادة فيها ولا نقصان، أَو ليعلم الله أَن الرسل قد أَبلغوا الرسالة وأَدوا الأَمانة كاملة لم يكتموا منها شيئًا، أَي: ليعلم ذلك مشاهدًا وحاصلا وواقعًا كما علمه غيبًا وأَزلًا في علمه القديم.
(وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ): أَي: علم - سبحانه - بما عند الرسل ظاهرًا وباطنًا من الأَحكام والشرائع وغير ذلك لا يفوته منها شيءٌ ولا ينسى منها حرفًا؛ فهو المهيمن عليها والحافظ لها (وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) أَي: ضبط كل شيءٍ ضبطًا تامًّا لا يعتريه خلل ولا يناله نقص، أَحصاه - سبحانه - معدودًا محصورًا، وذلك مثل القطر والمطر والرمال وورق الأَشجار وزيد البحار وأَنفاس خلقه وغير ذلك مما نعلمه ومما لا نعلمه، ومَنْ هذا شأنه كيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه؟ إِنَّه - سبحانه - المحصي المحيط العالم الحافظ لكل شيءٍ لا تأَخذه سنة ولا نوم.