وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ) تنبيه لكل متزمل راقد ليله أَن يقوم الليل ويذكر الله فيه؛ لأَن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة.
هذا. وهل كان قيام الليل فرضًا على رسولنا ﷺ وحده؟ أَو كان فرضًا عليه وعلى الأَنبياءِ قبله؟ أَو كان فرضًا عليه وعلى أُمته؟ أَقوال أَرجحها أَنه كان فرضًا عليه وعلى أُمته، وهو قول عائشة وابن عباس - رضي الله عنهما - فقد ورد في صحيح مسلم عن زرارة بن أَوفى: أَن سعد بن هشام بن عامر أَراد أَن يغزو في سبيل الله... وفي هذا الحديث فقلت (أَي: سعد بن هشام) لعائشة: أَنبئيني عن قيام رسول الله ﷺ فقالت: أَلست تقرأُ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قلت: بلى، فقالت: فإِن الله - عزَّ وجلَّ - افترض قيام الليل في أَول هذه السورة، فقام ﷺ وأَصحابه حولا، وأَمسك خاتمتها اثنى عشر شهرًا في السماءِ حتى أَنزل الله - عز وجل - في آخر هذه السورة التخفيف (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) فصار قيام الليل تطوعًا بعد الفريضة.
نقول: والظاهر أَن النسخ والتخفيف كان في حق الأُمة وبقيت فريضة قيام الليل على رسول الله ﷺ بدليل قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) وهذا رأَي كثير من المفسرين والفقهاءِ.
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) أَي: اقرأ القرآن على تمهل وتؤدة وذلك بإِشباع الحركات وتبيين الحروف بحيث يُمَكنُ السامع من عدها، وذلك من قولهم: ثغر رتل إِذا كان مفلجًا لم تتصل أَسنانه بعضها ببعض، وعن عليٍّ - كرم الله وجهه - أَن رسول الله ﷺ سئل عن هذه الآية فقال: "بيِّنْهُ تبيينا ولا تنثره نثر الدقل (١) ولا تهذّه هذَّ الشِّعر، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة".