١٢ - (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ):
أَي: إِليه تعالى وحده لا إِلى غيره استقرار العباد، أَي: لا ملجأً ولا منجى لهم غيره عز وجل، أَو إِلى حكمة استقرار أَمرهم لا يحكم فيه غيره، أَو إِلى مشيئته تعالى موضع قرارهم من جنة أَو نار، فمن شاءَ أَدخله الجنة ومن شاءَ أَدخله النار.
والظاهر أَن قوله تعالى: (كَلاَّ لا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) من تمام قول الإِنسان، كأَنه بعد أَن يقول: أَين المفر؟ يعود على نفسه فيستدرك ويقول: (كَلاَّ لا وَزَرَ... ) إلخ.
وقيل: هو من كلام الله تعالى، يقال للقائل: أين المفر؟ لا حكاية عن الإنسان، ويجوز أن تكون (كلَّا) في قوله تعالى: (كَلاَّ لا وَزَرَ) بمعنى أَلاَ الاستفتاحية أَو بمعني حقًّا.
١٣ - (يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ):
المعنى: يخبر الإِنسان يومئذ -وذلك عند الأَكثرين- عند وزن الأَعمال بما قدم وأَخَّر، أَي: بما قدم من عمل عمله وبما أَخر منه فلم يعمله، أَو بما قَدم من ماله فتصدق به وبما أَخره فخلفه للورثة، أَو بما قدم من عمل الخير والشر وبما أَخر من سنة حسنة أَو سيئة فعمل بها بعده. وعن مجاهد بأَول عمره وآخره.
١٤ - (بَلْ اَّلإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ):
أَي: بل الإِنسان حجة واضحة على نفسه شاهدة بما صدر عنه، تلزمه بما فعل أَو ترك، وجعل الحجة بصيرة لأَن صاحبها بصير بها، أَو هي بمعنى دالة مجازًا، كما وصفت الآيات بالإِبصار في قوله تعالى: "فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً" (١). والتاءُ في بصيرة للمبالغة مثلها في علاَّمة ونسَّابة، أَو لتأْنيث الموصوف، أَي حجة، وقيل: لأَن المراد بالإِنسان هنا الجوارح: أَي جوارحه على نفسه بصيره، أَي مشاهدة عليه بعمله، ونسب هذا للعتبي والمعنى: يُنَبَّأُ الإِنسان بأَعماله، بل فيه ما يُجزئ عن الإِنباءِ لأَنه عالم بتفاصيل أَحواله شاهد على نفسه بما عملت، لأَن جوارحه تنطق بذلك. ومثله في كتاب الله قوله تعالى:
(١) سورة النمل من الآية ١٣.


الصفحة التالية
Icon