ولا يتفلت شيء منه عليك (وَقُرْآنَهُ) أَي: وإِثبات قراءَته في لسانك بحيث تقرأَه كما شئت وقيل: وقراءَتك إِياه أَي جريانه على لسانك، فالقرآن هنا وكذا فيما بعد مصدر كالرجحان بمعنى القراءَة كما قال الشاعر:

ضحَّوْا بأَشمط (١) عنوان السجود به يقطَّع الليل تَسبيحًا وقرآنا
١٨ - (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ):
المعنى: فإِذا أَتممنا قراءَته عليك بلسان جبريل - عليه السلام - المبلغ عنا فكن مقفيا لا مباريا له، وقيل: فإِذا قرأناه فاتبع بفكرك وذهنك قرآنه، أَي: فاستمع وأَنصت. وصح هذا من رواية الشيخين وغيرهما عن ابن عباس، وعنه أَيضًا وعن قتادة والضحاك أَي قاتبع في الأَوامر والنواهي قرآنه، وقيل: اتبع قرآنه بالدرس على معنى فكرّره حتى يرسخ في ذهنك، وفي الإِسناد المجازي في قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ) واختيار نون العظمة مبالغة في إِيجاب التَّأَني في قراءَة القرآن.
١٩ - (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ):
أَي: ثم إن علينا بعد حفظه وتلاوتك أَن نبيِّنه ونوضحه لك ونلهمك معناه على ما أَردنا وشرعنا ونبين لك ما أُشكل عليك من معانيه وأَحكامه.
قال الزمخشري، كأَنه كان يعجل في الحفظ والسؤَال عن المعنى جميعًا كما ترى بعض الحُرّاص على العلم، ونَحْوُه قولُه تعالى: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ) (٢).
٢٠، ٢١ - (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَة، وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ):
(كَلاَّ) إِرشاد من الله - جل وَعَلاَ - لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأَخْذٌ له وبعد به عن عادة العجلة وترغيب له في الأَناة، ولمزيد حبه إِياه أَتبعه قوله تعالى: (بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ
(١) أشمط من الشمط وهو بياض الرأَس يخالط سواده والمراد أَنه كبير السن.
(٢) سورة طه من الآية ١١٤.


الصفحة التالية
Icon