التفسير:
١ - (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا):
قال الآلوسي: أَصله على ما قيل -أَهل- على أَن الاستفهام للتقرير، أَي الحمل على الإقرار بما دخلت عليه والْمُقَرَّر والذي يطلب تقريره هو من ينكر البعث، وقد علم أَنهم يقولون: نعم قد مضى على الإِنسان حينٌ من الدَّهر لم يكن كذلك، فيقال فالذي أَوجده بعد أن لم يكن كيف يمتنع عليه إِحياؤه بعد موته، وقيل: هل بمعنى قد، وهي للتقريب، أَي تقريب الماضي من الحال.
والمعنى: قد مضى على الإِنسان ومر عليه أَزمنة مختلفة قبل أَن ينفخ فيه الروح وما كان شيئًا مذكورًا باسم ولا يعرف ما يراد منه. والمراد أَنه معدوم لم يوجد بنفسه -بل كان الموجود أَصله ممَّا لا يسمى إِنسانًا ولا يعرف بعنوان الإِنسانية، وقيل: المراد بالإِنسان آدم - عليه السلام - وأَيَّد الأَول بقوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ونُقل القول بأَن المراد بالإِنسان آدم - عليه السلام - عن جماعة منهم ابن عباس، وحكى الماوردي عنه أَن الحين المذكور هنا هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره، وروى نحوه عن عكرمة فقد أَخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أَنه قال: إِن من الحين حينًا لا يدرك وتلا الآية فقال: والله ما يدرى كم أَتى عليه حتى خلقه الله تعالى، وقيل: إِن المراد من الحين مادة الحمل وهي تسعة أَشهر.
والذي فهمه أَجلة من الصحابة -رضوان الله عليهم- من الآية الإِخبار الإِيجابي (أي قد أَتى).
٢ - (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا):
أَي: إِنَّا خلقنا الإِنسان من نطفة مختلطة ذات عناصر شتى، ومعنى نطفة مختلطة عند الأَكثرين نطفةٌ اختلط فيها وامتزج الماءَان ماء الرجل وماء المرأَة.
وعن عكرمة وابن عباس (أَمْشَاجٍ): أَي أَطوار -أَي ذات أَطوار مختلفة، فإِن النطفة تصير علقة ثم مضغة.. وهكذا إِلى تمام الخلقة ونفخ الروح (نَبْتَلِيهِ): أَي نختبره بالتكليف فيما بعد (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) أَي: فجعلناه بسبب ذلك الابتلاء ذا سمع يسمع به الهدى وذا بصر يبصر به الحق ليختار الطاعة والمعصية بعد التكليف.