٨ - (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا):
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) أَي: ويطعمون الطعام على حب الطعام: أَي مع اشتهائه والحاجة إِليه والرغبة فيه، وروى ذلك عن ابن عباس ومجاهد.
أَوعلي حب الإِطعام: بأَن يكون ذلك بطيب نفس وعدم تكلف، وإِليه ذهب الحسن ابن الفضل وهو حسن، أَو على حب الله تعالى ولوجهه سبحانه وابتغاءَ مرضاته وإليه ذهب الفضيل بن عياض وأَبو سليمان الداراني، ورجح الآلوسي وابن كثير الأَول.
قال ابن كثير: والأَظهر أَن الضمير في قوله تعالى: (عَلَى حُبِّهِ) عائد على الطعام، أَي: ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قال مجاهد ومقاتل واختاره اين جرير كقوله تعالى: "وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ" (١) وكقوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (٢)، وفي الصحيح: (أَفضلُ الصدَقةِ أَنْ تَصدقَ وأَنت صحيحٌ شحيح تأْملُ الغنَى وتَخشَى الفقَر): أَي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إِليه.
والظاهر أَن المراد بإِطعام الطعام حقيقته، وقيل: هو كناية عن الإِحسان إلى المحتاجين ومواساتهم بأَي وجه كان وإِن لم يكن ذلك بالطعام بعينه، فكأَنهم ينفعون بوجوه المنافع.
(مِسْكِينًا) أَي: فقيرًا عاجزًا عن الكسب، (وَيَتِيمًا): صغيرًا فقد أَباه ولم يبلغ مبلغ الرجل ولا مال له (وَأَسِيرًا) قال سعيد بن جبير وغيره: الأَسير من أَهل القبلة يكون عند الكفار، وقال ابن عباس: كان أَسراهم يومئذ مشركين، ويشهد لهذا أَن رسول الله ﷺ أَمر أَصحابه يوم بدر أَن يكرموا الأَسارى، فكانوا يقدمونهم على أَنفسهم عند الفداءِ، واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك، واختاره القرطبي أَيضًا، وقال: ويكون إِطعام الأَسير المشرك قربة إلى غير أَنه من صدقة التطوع، أَما المفروضة فلا، وقال عكرمة هم العبيد، ولقد وصى رسول الله بالإِحسان إِلى الأَرقاءِ في غير ما حديث، حتى إِنه كان آخر ما أَوصى به أَن جعل يقول: (الصلاة وما ملكت أَيمانكم)، وقيل الأَسير: -المحبوس في حق- وقال مقاتل: نزلت في رجل من الأَنصار أَطعم في يوم واحد مسكينًا ويتيمًا وأَسيرًا.

(١) سورة البقرة من الآية ١٧٧.
(٢) سورة آل عمران من الآية ٩٢.


الصفحة التالية
Icon