١٤ - (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا):
(وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا) أَي: قريبة منهم ظلال أَشجارها، والمراد أَن ظلال أَشجار الجنة قريبة من الأَبرار مظلة عليهم وذلك زيادة في نعيمهم (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا) أَي: سُخِّرت ثمارها لتناولها، وسهل أَخذها، من الذُّل ضد الصعب. قال قتادة ومجاهد وسفيان: إِن كان الإِنسان قائمًا تناول الثمر دون كلفة، وإِن كان قاعدًا أَو مضجعًا فكذلك فهذا تذليلها لا يَرُدٌّ اليد عنها بُعْدٌ ولا شوك، قال الماوردي وذكره القرطبي: يحتمل أَن يكون تذليل قطوفها. أَن تبرز لهم من أَكمامها وتخلص لهم من نواها.
١٥ - ١٦ - (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا):
أَي: ويدور الخدم في الجنة على هؤلاءِ الأَبرار بأَواني الطعام وأَوعيته وهي من الفضة وبأَكواب الشراب كُوِّنت قوارير شفافة، قوارير مخلوقة ومصنوعة من فضة فلها بياض الفضة وحسنها وصفاءُ القوارير وشفيفها، قال ابن عباس وغيره في هذه الأَكواب: هي من الفضة ومع هذا شفافة يُروي ما في باطنها من ظاهرها وهذا مما لا نظير له في الدنيا.
قال الآلوسي: أَخرج ابن أَبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ليس في الجنة شيء إِلا أَعطيتم في الدنيا شبهه إِلا قوارير من فضة، قال الزمخشري: ومعنى (كانت) في الآية الكريمة هو من (يكون) في قوله تعالى: (كُن فَيَكُونُ) (١) أَي: تكونت قوارير بتكوين الله تفخيمًا لتلك الخلقة العجيبة الشأن الجامعة بين صفة الجوهرين المختلفين.
(قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) أَي: قدروا تلك القوارير في أَنفسهم فجاءَت حسبما قدروا واشتهوا وتمنَّته أَنفسهم، والضيمر في قدروها للأَبرار المُطَاف عليهم، أَو قدروا شرابها على قدر الري وهو أَلذ للشارب - قال ابن عباس: أتوا بها على الحاجة لا يفضلون شيئًا ولا يشتهون بعدها شيئًا، وعن مجاهد تقديرها أَنها ليست بالملأَي التي تفيض ولا الناقصة التي تفيض فالضمير على ما هو الظاهر للسقاة الطائفين بها المدلول عليهم بقوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ).