التفسير
١٩ - (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا):
أَي: ويدور حولهم ويقوم على خدمتهم بلطف ورفق وحسن عناية غلمان وصبيان، ولعل الحكمة في أَن الله فطرهم وخلقهم على تلك الصورة.
أَنهم في سنهم هذه يكونون أَخف في الخدمة وأَسرع في الاستجابة؛ تلبية لمخدوميهم وإِرضاءً لهم، وهم مع ذلك باقون ودائمون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن لا يهرمون ولا يتغيرون، وقيل: مزينون ومحلَّوْنَ بالأَساور والأَقراط ليكون ذلك أَدخل في إِيناس مخدوميهم، وإِذا نظر إِليهم ورآهم أَي راءِ ظنهم وحسبهم -لفرط حسنهم وجمالهم وصفاءِ أَلوانهم وإِشراق وجوههم وتفرقهم في مجالس مخدوميهم- ظنهم دُرًّا منشورًا مفرقًا في جنبات المجلس وباحاته وساحاته فالدر المنثور يكون أَكثر صفاءً منه منظومًا في سلك، أَو مسلوكًا في خيط.
وفي التعبير بلفظ: (إِذَا رَأَيْتَهُمْ) للدلالة على حصول هذا الأَمر ووقوعه، أَي أَنه حاصل لا محالة.
٢٠ - (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا):
أَي: وإِذا نظرت أَيها الرائي هناك في الجنة التي عرضها السموات والأَرض رأَيت من أَنواع النعيم وأَلوانه ما لا عين رأَت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم يتوج ذلك ويجمله ويرتفع ويسمو به أَن وجوههم ناضرة إِلى ربها ناظرة.
(وَمُلْكًا كَبِيرًا): والملك الكبير ينظر فيه صاحبه فيرى أَقصاه كما يرى أَدناه، يبصر فيه ما يملؤه بهجة ويزيده سرورًا، وأَي ملك أَكبر وأَبهى من ملك تدخل عليهم الملائكة فيه من كل باب قائلة تحية لهم: "سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ" ويرسل الله لهم ملائكته بالتحف والحلل ويدعوهم إِلى النظر إِلى وجهه الكريم. فسبحانك ربي صاحب الفضل العظيم والعطاءِ الجليل، ما أَكثر منّك وما أَجلَّ نعمك.