والذي يتضح أن المقسم به هنا شيئان، وهما: الريح، والملائكة؛ لأَن الله قد فصل بينهما بالعطف بالواو لإِشعار ذلك بالمغايرة، لأَن الشأن أَن يكون المعطوف بالواو غير المعطوف عليه.
أَقسم -عز شأْنه- أَولًا بالريح المرسلة على الكفار لعذابهم واستئصالهم، والريح -كما بين القرآن الكريم- يرسلها الله للعذاب، قال تعالى: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (١) كما توصف الريح بالعصف -وهو الشدة- لإِهلاكها من ترسل عليهم، أَو لأَنها تأتي بالعصف. وهو ورق الزرع وحطامه، أَو تُنْعَتُ بذلك لسرعتها في مُضِيِّهَا لتنفيذ أَمره قال تعالى: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا" (٢) ويجوز أَن يراد من المرسلات ما يشمل ويضم -أَيضا- رياح الرحمة التي تسوق وتثير السحاب وتلقح النبات وتكون مبشرات بالخير؛ لأَن هذه الرياح قد ورد في القرآن الكريم أَن الله يرسلها كما يرسل ريح العذاب، قال تعالى: "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" (٣) وقال: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ" (٤) وقال: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ" (٥). فكل من ريح العذاب ورياح الخير والرحمة جند من جند الله "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ" (٦).
هذا، وعطف العاصفات على المرسلات بالفاءِ للإِيذان والتنبيه على أَنه من عطف الصفات أَي: من عطف صفة على صفة أُخرى لموصوف واحد.
(٢) من الآية ٨١ من سورة الأَنبياء.
(٣) من الآية ٤٨ من سورة الروم.
(٤) من الآية ٢٢ من سورة الحجر.
(٥) من الآية ٤٦ من سورة الروم.
(٦) من الآية ٣١ من سورة المدثر.