إِذا اختطفته، وإِذا الرسل بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة، أَو: وإِذا الرسل عُين وحُدد لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على أُممهم، إِذا حصل هذا ووقع ما سبق كان ذلك أَمارة وعلامة على أَن القيامة قد أَظلتهم ونزلت بهم، فهذه الأُمور هي مقدماتها وسابقتها.
(لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) الضمير في قوله: (أُجِّلَتْ) راجع إِلى ما جاءَت به الرسل - عليهم السلام - أَي: لم أَخرت الأُمور المتعلقة بالرسل من تعذيب الكفرة وتنعيم المؤمنين وما كانت الرسل تذكره وتحدث به من أُمور الآخرة وأَحوالها وأَهوالها؟ ويجوز أَن المراد من الضمير (أُجِّلَتْ) لما سبق من طمس النجوم وتشقق السماءِ ونسف الجبال وتأقيت الرسل. وهذه الآية الكريمة جاءت وسبقت على طريق الاستفهام الذي يفيد التعظيم والتعجيب من هول وشدة ذلك اليوم (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) أَي: أَجلت هذه الأَمور ليوم الفصل والقضاء بين الخلائق، وذلك مثل قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (١)
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ): هذا تهويل وتعظيم آخر، أَي: وما أَعلمك بيوم الفصل وشدته ومهابته وقوة وقعه على النفوس (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ): وهذا أَيضًا تهويل ثالث لما يحدث في هذا اليوم، أَي: هلاك كبير وبوار عظيم للمكذبِين بالتوحيد والجاحدين للنبوة والمعاد، وبكل ما ورد عن الأَنبياءِ والرسل وأَخبروا به.
وجاءَت هذه الآية: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) في السورة الكريمة عشر مرات، ولعل سر تكرارها أَنها تذكر في كل مرة متصلة بالجرم والذنب الذي جاءَت للتحذير والتخويف منه والتهديد والوعيد عليه، فيكون لها بذلك أَكبر الأَثر في الزجر والمنع؛ لأَن الذنب إِذا قارئه عقابه واتصل به عذابه كان ذلك آكد في الزجر وأَقوى من الردع، وأَدعى إِلى العبد والتنأني عنه.

(١) الآية ٤٠ من سورة الدخان.
هذا والمعهود في مثل هذا المقام أَن تأتي كلمة (ويل) وما يماثلها منصوبة على أَنها مصدر ساد مسد فعله، أَي: نائب عنه يقصد به الدعاء، كأن يقال مثلا: ويلا لهم، أَي هلاكا لهم، ولكنه عدل به إلى الرفع على الابتداء "ويل" للدلالة على أن الهلاك والثبور ثابت لهم ودائم عليهم لا يزايلهم ولا يتجاوزهم؛ لأن الجملة الاسمية -كما هو معروف- تدل على الثبوت والدوام.


الصفحة التالية
Icon