عمَّا كانوا عليه في الدنيا يذكرون بها في الآخرة؛ ليشتد ندمهم وتزيد حسرتهم وأَلهم، وقيل: وإِذا قبل لهم: صلوا لا يصلون؛ إِذا المراد من الركوع هو الصلاة؛ لأَنه من أَهم أَركانها، ويطلق عليها -كثيرًا- في لسان الشرع.
روي عن مقاتل: أَن الآية نزلت في ثقيف، فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: حط عنا الصلاة فإِننا لا ننحني؛ فإِنها مسبّة علينا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لاَ خَيْرَ في دينٍ لَيْسَ فيهِ ركوعٌ ولا سجودٌ"، وعن ابن عباس أَنه قال: هذا يوم القيامة يدعون إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أَجل أَنهم لم يكونوا يسجدون في الدنيا.
ويذكر أَن الإِمام مالكًا - رحمة الله - دخل المسجد بعد صلاة العصر -وهو ممن لا يدري الركوع بعد العصر- فجلس ولم يركع، فقال له صبيٌّ: يا شيخ قم فاركع، فقام فركع ولم يحاجّه بما يراه مذهبًا، فقيل له في ذلك، فقال: خشيت أَن أَكون من الذين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ).
٤٩ - (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ):
أَي: ويل وثبور لمن يكذب هؤلاءٍ الأَنبياءَ الذين يرشدونهم إِلى ما يجمع لهم من خيرات الدنيا والآخرة.
٥٠ - (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ):
أَي: إِن لم يصدقوا بهذا القرآن العظيم الذي جاءَ بلغتهم وتحداهم أَن يأْتوا بسورة من مثله فعجزوا، ثم هاجهم وأَثارهم بقوله تعالى: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (١) ولكنهم أَصابهم العي والحصر، وعمهم وشملهم العجز، أَي: إِن لم يصدقوا ويؤمنوا بهذه الدلائل اللطيفة مع تجليتها ووضوحها فبأَي شيءٍ يصدقون ويذعنون له بعد ذلك؟! إِنه العمى في أَبصارهم، والرَّان والطمس على قلوبهم، والجحد والحسد في نفوسهم، وصدق الله العظيم: "فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" (٢).
والله أَعلم.

(١) الآية ٨٨ من سورة الإسراء.
(٢) من الآية ٣٣ من سورة الأنعام.


الصفحة التالية
Icon