وليس المراد بالاستفهام في بدءِ السورة الاستعلام وإِنما أَريد به تفخيم المسئول عنه بإِبهام أَمره وتوجيه أذهان السامعين نحوه، وتشويقهم إِلى معرفة شأْنه، فإِن إِيراده من علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية، تنبيه على أَنه خارج عن دائرة علوم الخلق خليق بأَن يعتني بمعرفته، ويسأل عنه، كأنه قيل: عن أَي شيءٍ يتساءَلون؟ ثم قيل بيانًا للمسئول عنه بطريق الجواب يتساءلون (عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) أَي: عن الخبر الذي له شأنه وخطره وهو البعث، ثم وصف بالعظيم لتأكيد ذلك وقد ورد الجواب على منهاج قوله تعالى: "لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" (١) حيث كان السؤال والجواب من الله تعالى.
(الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ): وصف ثان للنبأ بعد وصفه بالعظيم تأْكيدا لخطره؛ فهو تأْكيد إِثر تأكيد للمبالغة، أَو إِشعارًا بالباعث على التساؤل عنه، وإِيثار أَن تكون صلة الموصول جملة اسمية للدلالة على الثبات، أَي: هم راسخون في الاختلاف فيه فمنهم منكر جازم باستحالته يقول:
"إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ" (٢) ومنهم شاكٌّ يقول: "مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ" (٣) ومن الاختلاف أَن منهم من ينكر الْمعَاديْنِ: البعث والقيامة كهؤُلاءِ، ومنهم من ينكر البعث الجسماني فقط، وحمل بعضهم الاختلاف في كيفية الإِنكار، فمنهم من ينكر البعث لإِنكار الصانع المختار، ومنهم من ينكره بناءً على استحالة إِعادة المعدوم بعينه، وقيل: إِن الضمير في (يَتَسَاءَلُونَ) للمسلمين والكافرين، وكانوا جميعًا يتساءَلون عنه: فالمسلم يسأل ليزداد خشية واستعدادًا، والكافر يسأَل ليزداد كفرًا وعنادًا.
٤ - (كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ):
بدأَت الآية الكريمة بقوله -سبحانه وتعالى-: (كَلاَّ) لردع منكري البعث عن التساؤُل عنه، وعن مخالفتهم لرسول الله ﷺ فيه إِنكارهم له أَوشكهم في وقوعه،
(٢) المؤمنون، الآية ٣٧.
(٣) الجاثية، من الآية ٣٢.