فالكلام على التشبيه البليغ، والجامع بين المشبه والمشبه به أَن كلا من الجبال والسراب يُرَى على شكل شيءٍ وليس هو بذلك الشيءٍ، والجبال وإِن اندكت انصدعت عند النفخة الأُولى لكن تسييرها وتسوية الأَرض إِنما يكون عند النفخة الثانية، ويشير إِلى ذلك قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي" (١) واتباع الداعي وهو إِسرافيل -عليه السلام- يكون بعد النفخة الثانية.
٢١ - (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا):
شروع في وعيد المكذبين، وبيان ما يلاقونه من عذاب ونكال في جهنم دار إِقامتهم إِلى لا يبر حونها أَبدًا أَي: إِنها موضع ترصُّد وترقُّب، ترصد فيه خزنة النًّار الكافرين ليعذبوهم، وترصد الجنة المؤمنين ليحرسوهم من قبحها في مجازهم عليها، وقيل: ترصد الملائكة الطائفتين، لتنفذ إِحداهما وهي المؤمنة، وتعذب الأُخرى وهي الكافرة، وقد يفسر المرصاد بمطلق الطريق، وهو أَحد معانيه، فيكون للطائفتين، قال الحسن، وقتادة في قوله تعالى: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) أَي: إِنه لا يدخل أَحد الجنة حتى يجتاز بالنار، فإِذا كان معه جواز نجا، وإلا احتبس، وقيل: اعلموا أنه لا سبيل إِلى الجنة حتى تقطع النار. ذلك لأَنها مجاز وممر للجميع.
٢٢ - (لِلْطَّاغِينَ مَآبًا):
أَي: إِنها تكون للمردة العصاة المخالفين للرسل مقرًّا ومرجعًا يرجعون إِليه، ويقيمون فيه. يتجرعون فيه عذابًا غليظًا، وعقابًا شديدا كلما نضجت جلودهم بدلهم الله غيرها ليستمر إِحساسهم بالأَلم وشعورهم به.
٢٣ - (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا):
أَي: ماكثين فيها يصلون سعيرها دهورًا متتابعة، كلما مضى منها حقب تبعة آخر