المعنى أَنه في هذا اليوم الرهيب، يقف جبريل - عليه السلام والملائكة - مخلوقات الله الغيبية -مصطَفِّينَ، فيقف جبريل وحده صفًّا، والملائكة صفًّا آخر، وقيل: صفوفًا؛ لقوله تعالى: "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا" (١) وذكر قيامهم واصطفافهم لتحقيق سلطانه وكبرياءِ ربوبيته، وتهويل يوم البعث الذي عليه مدار الكلام من مطلع السورة الكريمة إِلى آخرها.
(لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) الضمير في (لا يَتَكَلَّمُونَ) لأَهل السموات والأَرض الذين من جملتهم الروح والملائكة، والآية استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى: (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) ومؤَكد له على معنى أَن أَهل السموات والأَرض إِذا لم يقدروا حينئذ على أَن يتكلموا بشيءِ من جنس الكلام إِلا من أَذن الله له منهم في التكلم مطلقًا، وقال ذلك المأْذون قولا صوابا أَي: حقًّا من الشفاعة لمن ارتضى.
وإِظهار (الرَّحْمَنُ) في موضع الإِضمار للإِيذان بأَن مناط الإِذن الرحمة البالغة، لا أَن أَحدًا يستحق ذلك عليه سبحانه وتعالى.
٣٩ - (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا):
ذلك إِشارة إلى يوم قيام الروح والملائكة على الوجه الذي ذكر، وما في الإِشارة من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إِليه للإِيذان بعلو درجته، وبعد منزلته في الهول والفخامة أَي: إِن ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الروح والملائكة مصطفين غير قادرين هم ولا غيرهم على التكلم فيه من الهيبة والجلال، هو يوم القيامة الذي أَخبر عنه -سبحانه- بأَنه الحق، أَي: الثابت المتحقق الذي لا ريب في وقوعه من غير صارف يلويه، ولا عاطف يشنيه.
(فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) أَي: إِذا كان الأَمر كما ذكر من تحقيق اليوم وإِتيانه بلا شك في وقته المعين له، فمن شاءَ أَن يتخذ مرجعًا إِلى ثواب ربه فليفعل ذلك بالإِيمان والعمل الصالح، وهو حث وترغيب، في سلوك الطريق القويم، وتقدير المضاف وهو لفظ (ثَوَاب) قبل لفظ (رَبِّهِ) لاستحالة الرجوع إِلى ذاته تعالى.