أَي: تتعرض بالإِقبال عليه، والاهتمام بإصلاحه وإِرشاده مع أنه معرض عن دعوتك، وفي ذلك مزيد تنفير له ﷺ عن مصاحبة هؤلاء: (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) أَي: ليس عليك بأس في ألا يتطهر بالإسلام، حتى تحرص على الاهتمام بأمره، والاعتراض عمن أَسلم وتطهر، مع أن المستغني قد رضي لنفسه دنس الكفر والعصيان ظَانًّا في ماله غنى عن هداية لله وطاعته، ويقول الآلوسي: "والممنوع عنه في الحقيقة الإعراض عمن أسلم لا الإِقبال على غيره، والاهتمام بأَمره حرصًا على إسلامه".
٨ - ١٠ - (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى):
أَي: وأَما الذي جاءَك مسرعًا يبتغي عندك ما تتوق إليه نفسه، ويتعلق به قبله من أحكام الدين، وخصال الخير (وَهُوَ يَخْشَى) الله تعالى، ويخاف الغواية، وما دفعه إليك إلا حبه لأن يتطهر من الجهل، وخوف الوقوع في ظلمات الضلال، وقيل: يخشى أذي الكفار في إتيانه إليك. وقيل: يخشى العثار والكبوة إذ لم يكن معه قائد (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي: تتشاغل -عن إجابته إلى طلبه- بصناديد قريش، بمعنى: لا ينبغي أن تتصدى للمستغني عما عندك من الحكمة، والموعظة الحسنة، وتتلهى به عن الفقير الطالب للخير.
وفي تقديم ضمير ﷺ وهو "أنت" على الفعلين: (تَصَدَّي) و (تَلَهَّى) تنبيه على أن مناط العتاب خصوصيته - عليه الصلاة والسلام- وتقديم (لَهُ) و (عَنْهُ) على الفعلين أَيضًا للعناية والاهتمام بمضمونهما: لأَنهما منشآ العتاب له ﷺ روى أَنه -صلوات الله عليه-: ما عبس بعد ذلك في وجه فقير قط، ولا تصدى لغني.
وبعد أن فصَّل -سبحانه- في الآيات السابقة حاله ﷺ مع المستهدي والمستغني أتبعها بقوله جل شأنه.
١١ - ١٢ - (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ):
المعنى: كلمة "كَلاَّ" للردع والزجر، أتى بها للمبالغة في إرشادة ﷺ إلى عدم العودة. إلى ما عوتب عليه من الاهتمام بمن استغني عما دعوته إليه من الإيمان والطاعة،