والتكذيب بالمعاد، وبيان لاستحقاقة الدعاء عليه، أي: ما أشد كفره الذي حمله على نسيانه لما يتقلب فيه من النعم، وذهوله عن مسديها ومانحها حتى إذا ذكر به، فهو يعرض عن الذكرى، والمراد بالإنسان إما أَن يكون استغنى عن القرآن العظيم، فكفر بربه الذي نُعت بالصفات الجليلة التي تستوجب الإقبال عليه بالإيمان به، وإما أن يكون للجنس باعتبار انتظامه واشتماله على من استغنى وعلى أمثاله من أقرانه، ويرجح هذا أن الآية نزلت على ما أخرج ابن المنذر عن عكرمة: في عتبة بن أبي لهب: غاضب أَباه فأَسلم ثم استصلحه أبوه، وأعطاه مالًا، وجهزه إلى الشام، فبعث إلى رسول الله ﷺ أنه كافر برب النجم إذا هوى، فدعا عليه رسول الله ﷺ.. إلى آخر القصة، وقد تحقق فيه الدعاء.
ويقول الآلوسي: ثم إنَّ هذا كلام في غاية الإيجاز إشارة إلى الآية، وقال جار الله: لا ترى أُسلوبًا أغلظ منه، ولا أَدل على سخطه، ولا أَبعد شوطًا في المذلة مع تقارب طرفيه، ولا أَجمع للأَئمة على قصر متنه، وقال الإمام: إن الجملة الأولى (قُتِل الإنسانُ) تدل على استحقاقهم أَعظم أنواع العقاب عرفًا، والثانية (مَا أكفَرَهُ) تدل على أَنهم اتصفوا بأَعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعًا.
١٨ - ٢٠ - (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ):
شروع في بيان إفراطه في الكفران؛ ببيان ما أفاض الله عليه وتفصيله من مبدأ فطرته إلى منتهى عمره من فنون النعم الموجبة لأن تقابل بالشكر والطاعة، بدل ما تمسك به هذا الإنسان من الإمعان في الكفر والتكذيب، وفي الاستفهام التقريري عن مبدأ خلقه ثم بيانه بقوله تعالى: (من نطفة خلقه) تحقير له وتوبيخ، أي: من أي شيءٍ حقير مهين خلق الله ذلك الكافر الجحود الذي يتكبر ويتعظم على ربه بترك الإقرار بتوحيده؟ خلقه من نطفة قذرة (فَقَدَّرَه) أي: فهيأَه لما يصلح له ويليق به من الأَعضاء والأشكال، أو فقدره أطوارًا من حال إلى حال إلى أن تم خلقه واكتمل تكوينه بأعضاء متناسبة تلائم حاجاته مدة بقائه، وأَودع فيه من القوى ما يمكنه من استعمال تلك الأعضاء وتصريفها فيما خلقت له، وجعل كل ذلك بمقدار محدود على ما يقتضيه كمال نوعه. (ثُم السَّبيل يَسَّره) أي: ثم سهل له