التفسير
٣٨، ٣٩ - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ):
الآيات الخاتمة للسورة تبين حال الناس يوم يقفون بين يدي رب الأَرباب، وأَنهم ينقسمون إِلى السعداءِ والأَشقياءِ، وقد بدأَت بالقسم الأَول الذي آثر الحياة الباقية فعمل لها وأَقبل عليها، ورغب فيها رغبة الحريص عليها، فقال سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) أَي: مضيئة متهللة من البهجة والسرور، وعن ابن عباس: إِن ذلك من قيام الليل، وعن الضحاك: من آثار الوضوء فيختص ذلك بهذه الأُمة نظرًا لأَن الوضوءَ من خواصها بالنسبة إِلى الأُمم السابقة، وقيل: من طول ما اغبرت في سبيل الله (ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) بما تشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدائمة جزاءَ إِيمانها، وما قدمت من صالح أَعمال، وشكر آلاءِ ونعم.
٤٠ - ٤٢ (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ):
بيان الحال القسم الثاني الذي أَهمل عقله، وشغل نفسه بالأَهواء والأَباطِيل فرضي جَهْلَه، واتبع حُمْقَه، واختار الفانية، وأَفرغ جهده في الإِقبال عليها، والتمسك بها، حتى كان شأْنه ما يفصح عنه قوله تعالى: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ) أَي: يعلوها غبار ودخان ويكون ذلك على الحقيقة، أَو يراد المجاز، أَي: مذلة وهوان: (تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) أَي: يعلوها سواد وظلمة على الحقيقية، أَو غم وحزن على المجاز، وقيل: لا تري أَقبح من اجتماع الغبار والسواد في الوجه، بمعنى أَن على وجوههم غبارًا وكدورة فوق غبار وكدورة: إِظهارا لشدة القبح (أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أَي: أَولئك المتصفون بالكدورة والسواد الجامعون بين الكفر والفجور.