صوف أو شعر وأرسلها في البادية ترعى له إبله وغنمه، وإن أراد أن يقتلها تركها حتى إذا كانت سداسية (١) فيقول لأُمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها (٢)، وقد حفر لها بئرًا في الصحراء، فيبلغ بها البئر فيقول: انظري فيها، فيدفعها، من خلفها، ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض، وقيل: كانت الحامل إذا أوشكت على الوضع حفرت حفرة، فتمخض على رأْس الحفرة، فإذا ولدت بنتًا رمت بها فيها، وإن ولدت ابنًا حسبته.
وكان الدافع لهم على تلك الجريمة الشنعاء، التي اقترفوا إثمها، وباءوا بقبحها، الدافع لهم خشية الإملاق، وخوف الاسترقاق لهن، وإنها لقسوة شديدة وغلظة بالغة، زينت لهم دفن فلذات أكبادهم أحياءً، وهن ينظرون إليهم نظرة ضراعة واستعطاف، ولكن هيهات للقلوب المتحجرة أن تلين، واستمروا مستمسكين بفعلتهم المنكرة إلى أَن جاءَ الإسلام قاقتلع عن قلوبهم بذور الشر والطغيان وملأَها رأْفة ورحمة. فما أَعظم نعمة الإسلام على الإنسانية بأسرها.
(سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)
توجيه السؤَال لها دون وائدها مع أنه مقترف الذنب. لتسليتها، وإظهار كمال الغيظ منه والسخط عليه بإسقاطه عن درجة الخطاب مبالغة في تبكيته، فإن المجني عليه إذا سئل بمحضر الجاني عن الذنب الذي من أجله استحق هذه الجناية والعقاب الذي نزل به، كان ذلك باعثًا للجاني على التفكير في حال نفسه، وحال المجني عليه، فيرى براءَة ساحة المجني عليه وأنه هو المستحق للعقاب، وهذا نوع من الاستدراج وقع عن طريق التعويض.
وسؤَال الموءودة عن سبب القتل هو سؤَال تلطف، لتقول: قتلت بلا ذنب، أَو لتدل على قاتلها، أو التوبيخ ذلك القاتل يصرف الخطاب عنه تهديدًا له، فإذا سئل المظلوم فما بال الظالم؟!
(٢) أقارب الزوج أو الزوجة.