منها شيءٌ، كما ينبئُ عنه قوله - تعالى - حكاية عنهم -: "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا" (١).
وقد يراد من إحضارها أنها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة، فإن كانت صالحة على صورة أحسن مما كانت تدركها في الدنيا؛ لأن الطاعات لا تخلو فيها من نوع مشقة، وإن كانت سيئة تشاهدها على خلاف ما كانت عندها في الدنيا فإنها كانت مزينة لها موافقة لهواها.
والآية جواب (إذا الشمس كورت) وما عطف عليها: على أن المراد بها زمان ممتد يسع ما في سياقها وسياق ما عطف عليها من الخصال مبدؤه النفخة الأولى، ومنتهاه فصل الخطاب بين الخلائق، بمعنى أن علمها بما علمته وقع في جزء من هذا الزمن وهو وقت نشر الصحف، وإنما نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع كل هذه الدواهي تهويلا للخَطْبِ، وتفظيعًا للحال.
ونسب الإخصار إلى النفس، مع أنها تحضر بأمر الله -تعالى- كما يؤذن به قوله تعالى:
"يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ" (٢) لأنها لما عملتها في الدنيا، فكأَنها أحضرتها في الموقف.
وجوز أن يكون التعبير بقوله تعالى: (عملتْ نفسٌ.. ) بالتنكير.. الآية؛ للإشعار بأنه إذا علمت نفس من النفوس ما أحضرت عند قيام الساعة، وجب على كل نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هي التي عملت، أي: إن العاقل يجب عليه أن يتجنب أمرًا يخشى منه الندم والمؤاخذة.
(٢) آل عمران، من الآية رقم: ٣٠.