بها فأَكلها، وقيل المراد: القوة في أَداء الطاعة لله تعالى وترك الإخلال بها. (عندَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ) أي: له مكان رفيعة، ومنزلة سامية، وشرف عظيم عند صاحب العرش جل شأْنه والعندية عندية تشريف وإكرام لا عندية مكان، ولما كانت حال المكانة على حسب حال المكين قال -سبحانه-: (عند ذي العرش مكين) ليدل على عظم منزلته ومكانته بما لا يدع مجالا لشك أَو مماراة (مطاع ثم أمين) أي: مطاع هنالك في العالم الإلهي بين الملائكة المقربين -عليهم السلام- يصدرون عن أمره، ويرجعون إلى رأْيه، وهو أمين على الوحي، لا يزيد فيه، ولا ينقص مما أمر بتبليغه، وفي رواية عنه - عليه السلام- قال: "أمانتي أني لم أُومَر بشيءٍ فَعَدَوْته إلى غيرِه"
٢٢ - (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ)
صاحبهم هو نبينا ﷺ نفى الله عنه الوصف بالجنون لأن بعض قريش كان يرميه بذلك عند ما يسمع منه غريب الخبر عن اليوم الآخر وغيره من مواضع العبر ما لم يكن معروفًا عندهم، ولا مأْلوفًا لعقولهم، والتعبير عنه بصاحبكم أبلغ في استدلال عليهم، فإنه ﷺ نشأَ بينهم من صغره إلى كبره، وما عرفوا منه إلا كمال العقل، والتبريز في الفضل، وأنه كملهم وصفًا وأَصفاهم ذهنًا، فكيف يوصف بالجنون عندما تأْتيه الرسالة من ربه؟ ولا يصفه بذلك إلا من سفه نفسه وتملكه الحمق والجنون.
٢٣ - (وَلَقَدْ رَأَهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ):
أي: وبالله إن محمدًا ﷺ قد رأى جبريل - عليه السلام- بالأفق الأعلى الواضح المُظهِر لما يُرى فيه (١) من جهة المشرق كما روي عن الحسن وقتادة ومجاهد وسفيان، وهي الرؤية الأولى بمكة، الواقعة في غار حراء، رآه بالصورة التي خلفه الله عليها، وعن مجاهد أنه ﷺ رآه نحو جياد وهو مشرق مكة، وقيل غير ذلك.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في الآية: رآه بصورته عند سدرة المنتهى، والأفق - على هذا- بمعنى الناحية، أي: ناحيتها.