وتعليق التيسير به صلوات الله وسلامه عليه -مع أَن الشائع تعليقه بالأُمور المسخرة للفاعل- كما في قوله تعالى: "وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي" (١). للإِيذان بقوة تمكينه -عليه الصلاة والسلام - من اليسرى والتصرف فيها بحيث صار ذلك ملكة راسخة له، كأَنه ﷺ فطر عليها. كما في قوله - صلوات الله عليه: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ).
وبعد ما وعد الله سبحانه رسوله بذلك الفضل العظيم أَخذ يأْمره بتذكير عباده وتنبيههم من غفلاتهم، وتوجيههم إِلى ما هو خير لهم من تنزيه اسم الله تعالى والاستعداد لامتثال أَوامره، والتزام أَحكامه فقال - سبحانه:
٩ - (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى):
أَي: فذكِّر الناس بما يوحى إِليك من القرآن الكريم وغيره من الوحي، واهدهم إِلى ما في ثناياه وتضاعيفه من الأَحكام الشرعية ودم على ما تفعله، وأَشار -سبحانه- بقوله: (إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى) إِلى أَن رسول الله ﷺ كان يُذَكِّرُ أَهل الباطل ويفرغ في تذكيرهم غاية الجهد، ويتجاوز فيه كل حدٍّ معهود حرصًا على الإِيمان وتوحيدًا للملك الديان، وما كان ذلك يزيد بعضهم إِلاَّ كفرًا وعنادًا وتمردًا وفسادًا، فأُمِرَ - عليه الصلاة والسلام، تخفيًا عليه- بأَن يخص التذكير بتوقع النفع في الجملة، وذلك بأَن يكون من يذكِّره كلا أَو بعضًا ممن يرجى منه الاستجابة والانتفاع، ولا يتعب نفسه الكريمة في تذكير من لا يورثه التذكير إِلا عُتُوًّا ونفورًا، من الذين طبع الله على قلوبهم، وتمسكوا بما ورثوا عن آبائهم من جهل وجحود، كما في قوله -تعالى -: "فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ" (٢) وقوله تعالى: "فَأَعْرِضْ عَمَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا" (٣) وقد أَعلم الله رسوله ﷺ بمن طبع على قلبه فلم تنفذ إِليه الهداية.

(١) سورة طه، الآية: ٢٦.
(٢) سورة (ق) من الآية: ٤٥.
(٣) سورة النجم، من الآية: ٢٩.


الصفحة التالية
Icon