التفسير
٨ - ١١ - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً):
لَمَّا ذكر -سبحانه- حال الأَشقياءِ شرع في رواية حديث أَهل الجنة، وتقديم حكاية أَهل النار لأَنه أَدخل في تهويل الغاشية، وتفخيم حديثها، ولأَن حكاية حسن حال أَهل الجنة، وما يتقبلونه فيها من النعيم بعد حكاية سوءِ حال أَهل النار، ممَّا يزيد المحكي -حسنًا وجمالًا.
والمعنى: أَن وجوه المؤمنين يوم القيامة ناعمة، أَي: ذات بهحة، وحسن، وإِشراق، ونصارة، كقوله تعالى: "تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ" (١) ولا تكون كذلك إِلاَّ إِذا كانت فرحة بما لقيت من جزاءِ سعيها في الدنيا، وهذا المعنى على أَن ناعمة من النعومة، وأَما إذا كانت من النعيم، فيكون المعنى: وجوهٌ متنعمة في الجنة يوم القيامة، وهي وجوه المؤمنين، جزاءَ طاعتهم، وإِيمانهم بالله تعالى، ولم تعطف هذه الجملة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) على ما قبلها وهي: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) إِيذانًا بكمال تباين مضمونهما.
(لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) أَي: راضية بعملها الذي عملته في الدنيا تنفيذًا لأَمر ربها واتباعًا لهدي الرسول ﷺ حيث شاهدت ثمرته (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) أَي: مرتفعة السمت، ووصفها بذلك لأَن خير الأَماكن ما كان مرتفعًا شاهق البناءِ كقوله:

إن الذي سمك السماءَ بنى لنا بيتًا دعائمه أَعز وأَطوال
أَو في جنة عالية القدر فالعلو إما حسي أَو معنوي، وجمع بينهما أَبو حيان، وعلو القدر: أَن تكون رفيعة في أَوصافها ومزاياها، وبما اختصت به من أَلوان النعيم، وسميت دار النعيم بالجنة لأن اسمها مأْخوذ من الاجتنان، وهو الستر؛ لتكاثف أَشجارها ولتظليلها بالتفاف أَغصانها (لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً) الإِسناد إِلى الوجوه والمراد: أَصحابها الذين يتأَتى خطابهم أَي:
(١) سورة المطففين، الآية: ٢٤.


الصفحة التالية
Icon