ولا يستطيعون إِنكارها كيف خلقت خلقًا بديعًا معدولًا به عن سنن خلق سائر أَنواع الحيوانات في عظم جثتها، وشدة قوتها، وعجيب هيئاتها اللائقة بتأَتِّي ما يصدر عنها من الأَعمال الشاقة كنحمل الأَثقال العظيمة وهي باركة؟ ثم إِيصالها الأَحمال الفادحة إِلى مختلف الأَقطار؟ وفي صبرها على الجوع والعطش حتى إِن ظمأَها ليبلغ ثمانية أَيام، وقدرتها على قطع الفيافي والقفار مع لين وسهولة في السير حتى اعتبرت بحق سفينة الصحراءِ؟ وفي أَنها تكتفي في غذائها بما تسير من شوك وشجر وغير ذلك ممَّا لا يكاد يرعاه سائر البهائم! وهي مع ضخامتها تنقاد للضعيف، وتخضع للصغير وتبرك لتحمل من قرب، ثم تنهض بما تحمل! وينتقع بأَصوافها وأَوبارهم وأَلبانها ولحومها! وفيها غير ذلك من المزايا التي لا يماثلها فيها حيوان آخر!
وخُصَّت بالذِّكر لأَنها أَعْجب ما عند العرب، ولهم على أَحوالها أَتم وقوف، وعن الحسن أَنها خُصت بالذكر لأَنها تأْكل النوى والْقَتَّ، وتخرج اللبن، وقيل له: الفيل أَعظم في الأُعجوبة، فقال: العرب بعيدة العهد بالفيل، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره كما يركب ظهر البعير من غير مشقة في ترويضه، ولا يحلب دره.
والتناسب بينها وبين المتعاطفات عليها -كما قال عصام الدين-: إِن خيال العرب جامع بين الأَربعة، لأَن ما لهم النفيس الإِبل، ومدار السقي لهم على السماءِ، ورعيهم في الأَرض، وحفظ مالهم الجبال.
١٨، ٢٠ - (وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ):
أَي: وإِلى السماءِ التي تقع عليها أَبصارهم ليلًا ونهارًا، كيف رُفعت رفعًا بعيد المدى بلا مساك ولا عمد بحيث لا ينال ذلك الفهم والإِدراك؟! وكيف زُيِّنت بنجوم تكثر هذه الكثرة فلا تدخل في حساب الخلق، صنع الله الذي أَتقن كل شيءِ خَلَقَه، كما قال تعالى: "أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ" (١).