عن ابن عباس أَنهن العشر الأَواخر من رمضان، واستدل له بعضهم بالحديث المتفق على صحته؛ قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها-: "كَانَ رَسُولُ الله ﷺ إِذاَ دَخَلَ الْعَشْرُ -تعني العشر الأَواخر من رمضان- شَدَّ مِئْزَرَهُ وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهله" وأَيًّا ما كان فتنكير ليالٍ للتعظيم، وقيل: للتبعيض، لأَنها بعض ليالي السنة أَو الشهر. وكونه للتعظيم والتفخيم أَولى.
(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) أَي: أَقسم -سبحانه- بشفع الأَشياءٍ ووترها، أَو بشفع هذه الليالي وترها، أَو بشفع الصلاة وترها، أَو بيوم النحر وهو شفع، وبيوم عرفة وهو وتر، وقد كثرت فيها الأَقوال، والله أَعلم بحقيقة الحال.
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) أَي: أَقسم بالليل وقت أَن يسري فيه، وإِسناد السُّرى إليه مجاز، على حد "ليل نائم" أَي: يُنام فيه: أَو المراد: أَقسم بالليل إِذ يمضي بقدرة الله العجيبة، كقوله تعالى: "وَاللَّيْلِ إِذَا أَدْبَرَ" والقسم بالليل لما فيه من الستر الذي قد يقتضيه الحال، وجواب هذا القَسَم والأَقسام السابقة محذوف يدل عليه قوله تعالى "أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ" إِلى قوله: "فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ" أَي: ليعذبن الذين كفروا بالله، وأَنكروا البعث أَشد العذاب وأَقساه (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْر) المشار إِليه بـ (ذَلِكَ) هو الأَمور الخمسة المقسم بها، والاستفهام للتقرير، أَي: إِن في هذه الأُمور المشتملة على باهر الحكمة وعجيب الصنعة قسمًا مقنعًا لذي عقل ولب فضلا على أَنها مستحقة لأَن يقسم بها تنبيهًا على شأْنها، وفخامة قدرها لإِشارتها إِلى الخالق العظيم.
٦، ٨ - (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ):
استشهاد بعلمه -عليه الصلاة والسلام- بما يدل عليه من تعذيب عاد وأَضرابهم المشاركين لقومه ﷺ في الطغيان والفساد، كأَنه قيل: أَلم تعلم علمًا يوازي العيان في الإِيقان كيف عذب ربك عادًا ونظائرهم؟! فيعذب هؤُلاءِ أَيضًا لاشتراكم فيما يوجبه