التفسير
١٥ - (فأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ):
هذه الآية وما بعدها كلام متصل بما قبله، أَي: الواجب لمن علم أَن ربه بالمرصاد أَن يسعى للعاقبة ولا يصرف كل همه للعاجلة، كأَنه قيل: إِنه - تعالى - لبالمرصاد من أَجل الآخرة لمراقبة أَحوال عباده ومجازاتهم على أَعمالهم خيرًا كانت أَو شرًّا، فهو - سبحانه- لا يطلب إلا السعي لها، أَما الإِنسان فقد عكس، وأَصبح كل همه الدنيا ولذائذها (إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أَي: عامله معاملة المختبر بالغنى واليسار (فأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) بالمال الوفير، والجاه العريض، وأَسباب القوة والعزة (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أَي: أَكرمني بذلك لمزيد استحقاقي له، فيرى أَن الإِكرام في كثرة الحظ من الدنيا، ولم يخطر بباله أَنه فضل تفضل الله به عليه في دنياه ليختبره هل يشكر أَو يكفر؟! كما قال الله - تعالى-: "أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ" (١).
١٦ - (وأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ):
وأَما هو -أَي: هذا الإِنسان- إِذا ما اختبره ربه (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أَي: إِنه يرى الهوان والمذلة في الفقر، وقلة الحظ من الدنيا التي هي كل همه، وغفل عن أَن التقتير قد يؤَدي إِلى كرامة الدارين، وأَن التوسعة قد تفضي إِلى خسرانهما، وأَن كل ما يقع قد اقتضته الحكم البالغة لله - تعالى - فإِن الله يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب ويضيق على من يحب ومن لا يحب، فقد يوسع على الكافر وهو مهان، ويضيق على المؤمن وهو مكرم، وإِنما المدار في ذلك على طاعة الله في الحالين؛ بأَن يشكر الله إِذا كان غنيًا، وأَن يصبر إِذا كان فقيرًا.