- سبحانه-: (إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) إِلى آخره استئناف جيءَ به بطريق الوعيد تعليلا للردع.
أَي: إِذا هدم كل ما على الأَرض بالدك والزلزلة مرة بعد أُخرى حتى انكسر وتفتت، وأَصبح كل ما على وجهها من جبال، وقصور وأَبنية وحصون هباءً منشورًا، وتكرير الدك للاستيعاب، بمعنى أَنها دكت دكا متتابعًا، وقال المبرد: الدك: حط المرتفع بالبسط والتسوية، وعليه فالمعنى: إِذا سويت الأَرض تسوية بعد تسوية، ولم يبق على وجهها شيءٌ حتى صارت كالصخرة الملساءِ، ، وأَيا ما كان فهو عبارة عمَّا عرض لها عند النفخة الثانية.
٢٢ - (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا):
أَي: وجاءَ أَمر ربك وقضاؤُه بحذف المضاف للتهويل، واختار جماعة أَنه تمثيل لظهور آيات اقتداره، ووضوح آثار قدرته وسلطانه - عز وجل - ورأَي السلف - رضي الله عنهم - أَنه مجيء من غير تكييف ولا تمثيل نؤمن به ولا نطلب معناه.
(وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أَي: جنسهم، فيشمل ملائكة السموات والأَرض جميعًا، يجيئون بين يدي ربهم مصطفين، أَو ذوي صفوف، فإِنه قيل: ينزل ملائكة كل سماءٍ فيصطفون صفا بحسب مراتبهم ومنازلهم محدقين بالإِنس والجن. وروي أَن ملائكة كل سماءٍ تكون صفا حول الأَرض، فالصوف سبعة على ما هو الظاهر، والآية تصور لنا الهيبة والعظمة، وظهور السلطان الإِلهي في ذلك اليوم.
٢٣ - (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى):
أَي: وكشفت جهنم يوم القيامة للناظرين بعد أَن كانت غائبة عنهم، فالمجيء متجوز فيه كما في قوله تعالى: "وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى" (١)، وقوله سبحانه: "وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ" (٢) والأَرجح أَن يكون المجيءُ على حقيقته، فقد أَخرج مسلم والترمذي

(١) سورة النازعات، الآية: ٣٦.
(٢) سورة الشعراء: ٩١.


الصفحة التالية
Icon