وقيل في قوله تعالى: (وأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ): إِنَّ الكفار كانوا يحترمون هذا البلد ولا ينتهكون فيه الحرمات، ولكنهم كانوا يستحلون إِيذاءَك، ولو تمكنوا منك لقتلوك، فأَنت حل في اعتقادهم لا يرون لك من الحرمة ما يرونه لغيرك مع إِكرام الله - تعالى - إِياك بالنبوة، فعن شرحبيل: يحرمون أَن يقتلوا بها صيدًا أَو بعضدوا بها شجرة ويستحلون إِخراجك وقتلك، وعلى هذا فيكون المقام تثبيت لرسول الله ﷺ وبعث له على احتمال ما كان يكابد ويعاني في أَهل مكة، المقام تثبيت لرسول الله ﷺ وبعث له على احتمال ما كان يكابد ويعاني من أَهل مكة، وتعجيب من حالهم في عداوتهم له.
وقيل المعنى: وأَنت مقيم وحالٌ بها، فكأَنه - تعالى - عظَّم مكة من جهة أَنه ﷺ مقيم بها، إِلى غير ذلك من الأَقوال، والآية الكريمة تتسع لكل هذه المعاني.
٣ - (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ):
هذا عطف على قوله - تعالى -: (بِهَذَا الْبَلَدِ) وداخل في المقسم به، أَي: وأُقسم بوالد وبما ولد، والمراد بالوالد هو آدم - عليه السلام - وبما ولد: هم جميع ذريته، أَقسم بهم -سبحانه- إِذْ إِنهم أَعجب ما خلق الله على وجه الأَرض لما منحهم -جل شأْنه- من البيان والنطق والتدبير، واستخراج المعلوم، واستعمار الأَرض، وفيهم الأَنبياء، والدعاة إِلى الله، والأَنصار لدينه، بل إِن كل ما في الأَرض مخلوق لهم، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا" (١).
وأَمر الملائكة بالسجود لآدم، وعلَّمه الأَسماءَ كلها، قال -سبحانه-: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (٢)، وقيل: أَقسم -جل شأْنه- بآدم والصالحين من ذريته بناءً على أَن الصالحين والمفسدين كأَنهم ليسوا من أَولاده، أَو أَراد بالوالد إِبراهيم وإِسماعيل - عليهما السلام - وما ولد: محمد ﷺ وذلك لأَن إِبراهيم وإِسماعيل قد أقاما البيت في مكة، ومحمد ﷺ والمؤمنون سكانها.

(١) سورة البقرة: من الآية ٢٩.
(٢) سورة الإِسراء: من الآية ٧٠.


الصفحة التالية
Icon