بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ" (١)، ويقول: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا" (٢). هذا وإِن الله سيحاسبهم على أَموالهم من أَين اكتسبوها وقيم أَنفقوها، ولا تزول أَقدامهم يوم القيامة حتى يسأَلوا عن ذلك.
هذا وقد عبر عن الإِنفاق في هذه الوجوه السيئة بالإِهلاك إِظهارًا لعدم المبالاة، وأَنه لم يفعل ذلك رجاءَ نفع، أَو أَنه إِشارة إِلى أَنه مال ضائع لا خير فيه، أَو يقول ذلك إِعلانًا عن شدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
٧ - (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ):
أَي: أَيظن ذلك المغرور الأَحمق أَن أَحداً لم يره حين أَنفق وأَهلك هذا المال في تلك الموبقات والمهالك والسفاهات، أَيظن أَن ذلك يخفى على الله الرقيب العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية في الأَرض ولا في السماء؟! إِنه -سبحانه - مطلع عليه، وسيحاسبه يوم القيامة ويجازيه على ما قدم.
٨ - ١٠ - (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ):
جاءَت هذه الآيات البينات تذكيرًا لذلك المشرك بنعم الله عليه ليتغظ ويعتبر ويرجع إِلى ربه، أَي: أَلم نجعل ونخلق له عينين يبصر بهما، وينظر ويتصرف على ما ينفعه وما يضره، ويتفكر بعد النظر في ملكوت السموات والأَرض، ويرى من بديع صنع الله وكمال إبداعه ما يدلَّه على ربه، وأَلم نجعل له لسانًا لافِظاً ينطق به ويكون ترجمانًا عماً يختلج به فؤاده، وما يتردد في صدره، ويكون لسانه أَداة للتآلف والتعارف بينه وبين بني البشر جميعًا؛ اقتدار لهم على إِعمار الأَرض واستقرار الحياة فيها، وأَلم نجعل له شفتين يطبقهما على فمه منعا من تناثر الطعام، وتمكينًا له من نطق سديد لتقيم التفاهم بين الناس، كما وأَن الشفتين للإِنسان مظهر من مظاهر تناسق خلقته وكمالها، فهما آية وعلامة على تكريم
(٢) سورة الفرقان، الآية ٢٣.