في وقت اشتدت بالناس الحاجة، وعمتهم الفاقة، وأَصابهم الجهد، وعز فيه القوت وقل الطعام، وقال الراغب في المسغبة: الجوع مع التعب.
١٥ - (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ):
أَي: قات وأَطعم هذا الغنى صغيرًا ضعيفًا فُقد أَبوه ومات عائله، وهو لا يملك مالا ولا يجد قوتًا ولا يقدر على كسب، فضلا على أَن هذا اليتيم له بذلك الغنيّ قرابة وصلة، وفي إِطعامه يكون قد جمع بيْن الصدقة وصلة الرحم، وفيهما من الثواب ما فيهما. وقيل لا يخص القريب نسبًا بل يشمل من له قرب بالجوار.
١٦ - (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ):
أَي: أَو أَطعم من أَسكنته الحاجة، وقعد به الفقر، وهدّه العوز؛ فلم يملك ما يسد به خَلَّته، أَو يقضي به حاجته، بل صار في حالة لا يقيه من التراب شيءٌ فهو كما يقولون يفترش الغبراءَ، ويلتحف بالسماءِ. وقيل: هو المطروح على الطريق الذي لا بيت له.
هذا، وإِن ذلك الغني الفاجر الذي عناه القرآن سواءً أَكان شخصًا بعينه أَم هو كل من كان على هذا النحو من الغلظة والشدة والقسوة، إِن هذا الفاجر الذي تكبر بماله وتجبر بسلطانه قد ترك ما هو أَحق بالإِنفاق وأَولى بالبذل والإِعطاءِ: من رفيق ذليل، إِلى يتيم قريب فقير إِلى مسكين معدم مجهود، ترك ذلك وتجاوزه إِلى السفه وإِهلاك المال في غير ما نفع أَو خير بل أَهلكه فيما يرديه ولا ينجيه من عداوة الرسول ﷺ والصد عن سبيل الله.
(ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠))